Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Jun-2017

رمضان وتهذيب الصفات - بلال حسن التل
 
الراي - كتبت كثيراً، عن رذيلة تفريغ منظومة العبادات والقيم من مضامينها، وتحويلها إلى مجرد حركات جسدية بلا روح، وإلى شعارات لا أثر لها على أرض الواقع. وهذه من أخطر إفرازات التخلف التي تعيشها المجتمعات في عصور انحطاطها، مثلما ما نحن عليه في هذه الأيام. حيث صار تفريغ العبادات والقيم من مضامينها حالة عامة تعيشها الأمة، من أهم ملامحها التناقض الفاضح بين القول والعمل وبين الشعار والتطبيق، وهذا التناقض من الرذائل التي يمقتها الباري عزوجل لقوله « كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون».
 
مناسبة هذا الحديث هو مانراه في حياتنا اليومية، خلال شهر الصوم من تناقض فاضح بين أقوالنا وأفعالنا، وهو تناقض يكرس ممارسة تفريغ العبادات من مضامينها ومعانيها ومقاصدها. ففي الوقت الذي تعج به وسائل التواصل الاجتماعي بمعاني رمضان وقيمه، فإن هذه الوسائل تعج أيضاً بكل ما يتناقض مع هذه المعاني، وأقل ذلك أنها تزدحم بالحث على تغذية الشهوات، ليس فقط من خلال إعلانات الطعام والشراب التي تنشرها المطاعم ومحلات المواد الغذائية، أو من خلال تسابق سيدات البيوت في نشر صور موائد الطعام في بيوتهن، فما هو أكثر قبحاً من ذلك، تلك الإعلانات عن شهوات أخرى لا تتناسب مع رمضان وحرمته،حتى وصل الأمر إلى إقامة خيم رمضانية يتم فيها تناول المسكرات، وكأن رمضان صار موسماً للهو والمتعة والفرجة، في ظل تزاحم شركات الإنتاج على عرض بضائعها في رمضان الذي صار مهرجاناً تلفزيونياً سنوياً.
 
كل هذا الذي صرنا نشهده في رمضان منذ سنوات، يصب في عملية تفريغ العبادة من مضامينها ومقاصدها، وتحويلها إلى مجرد طقس جسدي، فالغالبية الساحقة منا تترك في رمضان الشراب والطعام وهو أهون الصيام كما جاء في الأثر، متناسية أن هناك ما هو أهم من ترك الطعام والشراب، وهو ما لخصه جابر بن عبدالله الأنصاري بقوله « إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم وأذى الجار، ليكون يوم صومك عليك سكينة ووقاراً، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء» وهي كلمات تلخص فهم المسلمين الأوائل لمعنى عبادة الصوم كما تعلموها من رسولهم عليه السلام، وأول هذا المعنى هو تربية النفس وتهذيب الصفات بالسكينة والوقار، فأين هما في كل هذا الصخب الذي صار جزءاً من رمضان، وقيم رمضان ودراما رمضان، وزوامير السيارات في رمضان، وهي زوامير تعبر عن سوء أخلاق في كثير من الأحيان وعن غياب السكينة والوقار في كل الأحوال. مما يعني أننا نسينا أن رمضان هو شهر التربية التي تتجلى سلوكاً أخلاقياً نبيلاً على مستوى الفرد، وعلى مستوى الجماعة، وأول مظاهر هذا السلوك الصبر على النفس وشهواتها، ومن ثم الصبر على الناس وآذاهم المادي والمعنوي، وهو الصبر الذي ينعكس حلماً في تحمل الأذى يتسامى حتى يتحول إلى صفح عن من يؤذيك.
 
والصبر كسلوك أخلاقي نبيل ،ينمي في الإنسان قدرته على التحمل، وأبسط أنواع التحمل هو تحمله للجوع والعطش، وهما أقل درجات الصيام، كما كان يقول السلف، فأعظم من تحمل الجوع والعطش تحملك لأذى الغير، وقولك لمن يؤذيك إني صائم، فأين من هذا الخلق الرمضاني الرفيع ما نراه في سلوك الكثيرين منا الذين ينعكس صيامهم غضباً، وحدة وسوء معشر، وقد فات هؤلاء قول رسول الله عليه السلام « إذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب « فما بال أقوام يجعلون من رمضان شهر صخب يقيمون له خياماً تمارس أنواع الصخب، ومابال أقوام يرفثون في رمضان كلاماً قبيحاً وفعلاً أقبح، بحجة أنهم صّيام؟.
 
كثيرة هي معاني ودلالات رمضان التي أضعناها وأضعنا معها البعد التربوي لرمضان باعتباره مدرسة لتهذيب الصفات، فهل نستدرك ما فاتنا من هذه المعاني قبل أن يفوتنا الوقت؟
 
Bilal.tall@yahoo.com