Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Oct-2018

الدولة والمواطن.. جدلية الحق والواجب! - أ.د. عمر الحضرمي

 الراي - لا يمكن أن تحقق «الدولة» عظمتها، أو أن تتمتع بصفة الإحترام، إلا إذا أدركت، في كينونة وجودها، البعدين:

العلائقي (العقد الاجتماعي) والقانوني (بشُعَبِهِ الخمس)، ووصلت إلى فهم راشد لحالة التواصل بينها وبين المواطن، إذ أن العلاقة بينهما هي علاقة وجود، أي أنه لا وجود «لدولة» بدون «شعب» (مواطنين)، ولن تجد «الشعب» (المواطنين)  الا في ذلك الكيان الذي يُعْرف «للدولة». كما تتسم العلاقات بين الطرفين بأنها علاقات تبادلية، بمعنى أن حقوق المواطنين هي واجبات الدولة، وحقوق الدولة هي واجبات المواطنين، وهذا لا يتحقق إلا إذا احترم الطرفان هذه الحقيقة.
إن الباحث عن الوطنيّة؛ لن يجدها إلاّ إذا ما أقامت الدولة مع مواطنيها داخل الوطن وخارجه، علاقة ارتباطيّة طرديّة، تعتمد واقع أنّ رُقي الدولة وتطورها مرتبطان بثبات المجتمع واستقراره، وذلك لأن الدولة القويّة تستمد شرعيتها الدستوريّة من المجتمع، وبالمقابل فإنّ المجتمع (المواطنين) يستمد أمنه واستقراره من الدولة، وعليه فإن هذه العلاقة الارتباطية محكومة بالمصالح المشتركة، أي تلاقي مصالح الدولة مع مصالح المجتمع (المواطنين)، بمعنى أنّ على الدولة أنْ تسعى إلى تحقيق رغبات المجتمع ومطالبه في العيش الكريم وضمان حقوقه المشروعة مقابل أداء المواطن لكامل واجباته تجاه الدولة، بحمايتها والدفاع عنها.
إنّ إرتقاء العلاقة بين الدولة والمواطن إلى حالة الانسجام المتبادل، يعكس أوجه التطور والتقدم على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا أمر لا يتحدد بمرحلة أو فترة زمنيّة من عمر الدولة، لأن ذلك تِبْعٌ لتعدد المخاضات السياسيّة والاجتماعيّة التي يمر بها المجتمع، فتؤدي إلى الإرتقاء بمستوى وعي المواطنين، وإفراز النخب القادرة على حسن إدارة شؤون الدولة. ومن هنا جاءت مقولة «هيجل»: «إن تماسك الدولة وقوتها يعودان إلى نجاح التقاء المصالح الخاصة للمواطنين مع المصلحة العامّة للدولة، حيث يتمكن كل منهما تحقيق رغبات الطرف الآخر. وتؤدّي هذه الحالة من الإنسجام، إلى فترة إزدهار للدولة وتقدمها».
لقد تحدث الفقهاء السياسيون عن العلاقة بين الدولة والمواطن على أساس وجود «عقد إجتماعي» مؤداه الحديث عن اتفاق بين الطرفين، سواء كان ذلك مدوّناً أم غير مدوّن يكتسب صفة العرّف المُلْزِم. ويكوّن هذا العقد في صياغته منظومة فكريّة أخلاقيّة ارتضاها المواطن، في الوقت الذي تبدو فيه الدساتير، في صياغتها، نصوصاً قانونيّة جامدة معطلة إلا إذا تم تنفيذها والالتزام بها.
تمثل الدولة هيكلاً مؤسسيّاً لإدارة الشؤون العامّة، ووضع الاستراتيجيّات والسياسات الجمعيّة، بينما تترك الأمور والقضايا الخاصّة والجزئيّة للمؤسسات المدنيّة الفرعيّة، إلاّ أنّ ذلك لا يَخْرج عن سياق أنْ الدولة قادرة على تحقيق ذلك كلّه ضمن إطار المصالح العامّة.
وفي ذلك قال «دانيال بيل»: «إن على الدولة أن لا تكون من الصغر حيث تفقد القدرة على حل المشاكل الكبرى، وإنما على قدر من العظمة بحيث لا تفقد القدرة على حل المشاكل الصغرى».
وبما أن قوّة الدولة متأتية من قوة المجتمع (المواطنين)، فإن ضعفها وانهيارها يعودان إلى هشاشة مؤسساتها وانحدار الوعي الاجتماعي، وذلك لأن الدولة القوّية هي دولة مؤسسيّة دستورية تلتزم، بالتوازي مع مواطنيها، باحترام القوانين والانظمة والتشريعات التي تمثل ثوابت تحكمها وتحميها، بحيث لا تَعُدْ أي منها تخضع للمساومة أو تقبل بها، وعكس ذلك أو غيره يؤدي إلى ضعف الدولة وإفراز نخب سياسية غير مؤهلة تسوق المسار نحو بناء المُلْكيات الخاصة.
ومما لا يختلف حوله إثنان أن الدولة العظيمة هي التي يملكها مواطنون عظماء، يذهبون بها نحو المَنْعة والقّوة، وبالتالي يُفقد ذلك الجدار الفاصل بين مفهوم الدولة ومفهوم المواطن، ويغدو كل منهما مكوّناً للآخر. وكما بدأنا فإن لا دولة هناك دون مواطن، ولا مواطن هناك دون دولة، وعليه فإن جدلية العلاقة تقول بالتماهي والإنصهار في داخل واحد.
فهل لنا، في الأردن، أن نعيد قراءة المفهومين في سياق علمي موضوعي قانوني سيادي، نسأل االله ذلك.