Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-May-2017

تزييف صوم رمضان فخ شيطاني تجنبوه! - أسامة شحادة
 
الغد- صوم رمضان هو أحد أركان الإسلام الخمسة التي تربط المسلم بربه دوماً ودون حاجة لواسطة من بشر أو دولة، ويحقق الصوم وبقية أركان الإسلام للمسلم والمسلمة الكثير من المصالح على صعيد الدنيا والآخرة، فالصيام الصادق يربي النفس على تفهّم حالة الفقراء والمساكين، ويدرّب أصحابه على الصبر والحرمان ويرسّخ في القلب مراقبة الرب المطلع على مكنون الضمائر، كما أنه ينفع البدن ويقوي الصحة.
وأركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة أيضاً، تضمن للمسلم الاستقامة على طريق التوحيد والعبودية لله عز وجل مهما كانت الظروف، إيجابية أو سلبية، فالإيمان بالله عز وجل واليوم الآخر يشكل له الوقاية من التنكّب عن سبيل الحق والعدل، ويلزمه برفض الباطل والظلم بكل أشكاله، وهكذا بقية أركان الإيمان تورث في قلوب المؤمنين ما يثبّتهم في مقابلة التحديات والمصاعب ويدفعهم للعطاء والبذل في سبيل الأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
من هنا حرص الشيطان على تحريف مفهوم أركان الإيمان بالزيادة والنقص والتحريف والتأويل الباطل لمعانيها لتتخلف آثارها العظيمة في حياة المسلمين فتشيع فيهم المنكرات والفواحش والبدع والخرافات والشركيات والعودة للكفر والردة عن الإسلام، وبذلك تنحلّ قوتهم وتتفرق وحدتهم وتضيع شوكتهم.
أما أركان الإسلام فلجأ الشيطان إلى التهوين من أمرها والتقصير في أدائها، والعمل على صرفها عن مقصدها الرباني بالإخلاص بالعبودية لله لتصبح رياء وسمعة، أو خلطها بما يعطل غاياتها، وسنأخذ صيام رمضان نموذجا لذلك.
فريضة الصيام فريضة عظيمة عرفتها الأمم المسلمة طيلة تاريخ البشرية، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون" (البقرة: 183)، وذلك لما للصيام من آثار إيجابية عظيمة على البشرية، خصوصا إذا حقق الصائمون الغاية الأساسية من الصيام "لعلكم تتقون".
يقول الإمام ابن عاشور في بيان مفهوم التقوى هنا: "والتقوى الشرعية هي اتقاء المعاصي، وإنما كان الصيام موجباً لاتقاء المعاصي، لأن المعاصي قسمان: قسم ينجع في تركه التفكر كالخمر والميسر والسرقة والغصْب، فتركُه يحصل بالوعد على تركه والوعيد على فعله والموعظة بأحوال الغير، وقسم ينشأ من دواع طبيعية كالأمور الناشئة عن الغضب وعن الشهوة الطبيعية التي قد يصعب تركها بمجرد التفكر، فجعل الصيام وسيلة لاتقائها، لأنه يُعَدِّل القوى الطبيعية التي هي داعية تلك المعاصي، ليرتقي المسلم به عن حضيض الانغماس في المادة إلى أَوج العالَم الرُّوحاني، فهو وسيلة للارتياض بالصفات الملكية والانتفاض من غبار الكدرات الحيوانية".
فترك المعاصي والتقليل من الانغماس في عالم المادة والتسامي لعالم الروح هي مقصد الصيام، والغاية من شرعه، ومعلوم ما سيتحقق للمجتمع من خير وبركة حين تُهجر الفواحش من الزنا والخمر والقمار، وتجتنب الجرائم كالسرقة والغصب، كما أن تقليل الاستهلاك والانفكاك عن الاستخدام الجائر للموارد الطبيعية يعزز الاقتصاد وينمى المدخرات، والسعي لرقي الروح يحمل على التمسك بمكارم الأخلاق والشعور بأحوال الفقراء والمساكين، وفي هذا كله قوة للمجتمع ومتانة لروابطه وأواصره.
من أجل ذلك دعا جبريل عليه السلام على من أدرك رمضان ولم يُغفر له ذنبه، وأمّن النبي صلى الله عليه وسلم على دعائه، ذلك أن من معاني كلمة (رمضان) السكن والرماد المحترق، وكأن رمضان هو الذنوب المحروقة والتالفة، ولذلك كان رمضان شهر المغفرة من الله عز وجل لمن فارق شهواته واستغفر عن سيئاته وزاد في حسناته بالصوم وقراءة القرآن والصلاة وقيام الليل وبذل الصدقة وزكاة الفطر، هذه هي حقيقة صيام رمضان، الذي هو أحد أركان الإسلام الخمسة.
لكن الشيطان وجنوده من شياطين الإنس والجن لا يقبلون بذلك، ويعملون آناء الليل وأطراف النهار لتفريغ رمضان من حقيقته وحرمان الأمة الإسلامية والمسلمين من ثمرات الصيام وآثار التقوى والإيمان لتغوص أمّتنا أكثر في مستنقع الهزيمة والضعف والفواحش والشهوات.
فالصيام الذي هو انفكاك عن عالم المادة واللذات والطعام والشراب والشهوة يتم تحويله لاحتفال ومهرجان، فتنتشر الزينات وتلمّع الأضواء على الشرفات بالنجوم والأهلّة والفوانيس و... وذلك استعدادا له بدلا من الاستعداد الصحيح والأصلي للاستعداد لشهر رمضان وصيامه الذي أرشد له النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، لم أرَك تصوم شهرًا مِن الشهور ما تصومُ مِن شعبان؟! قال: "ذلك شهرٌ يغفُل الناس عنه بين رجَب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأُحبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائِم" رواه أحمد والنسائي وحسّنه الألباني، ولذلك كان استعداد السلف الصالح من الصحابة والتابعين على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، كما أخبر أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استهلّ شهر شعبان أكبوا على المصاحف فقرؤوها وأخذوا في زكاة أموالهم فقووا بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان".
فتبديل الاستعداد الشرعي بالصيام في شعبان وقراءة القرآن وإعطاء الزكاة بتعليق الزينات على الشرفات ومتابعة العروض الرمضانية لتجديد طقم السفرة وعدة الطبخ وتجديد الديكورات هي تزييف لحقيقة رمضان!
وصيام رمضان، الذي هو إعراض عن اللذات المباحة من الطعام والشراب والإكثار منها، بفضل وسائل الإعلام يصبح موسما رسميا للتفاخر في الطعام والشراب والإكثار منهما! فتنهال عليك الوصفات الرمضانية وتتكاثر عليك عروض المطاعم في رمضان، ويصبح الطعام والشراب هما محور رمضان في واقع كثير من الصائمين والصائمات، فهل هذا تحقيق "لعلكم تتقون"!! إنه تزييف لرمضان.
أما ليالي الصلاة وقراءة القرآن والاستغفار بالأسحار في ليالي رمضان المباركة، فقد زيفها شياطين الإنس والجن فأصبح الكثير من الصائمين والصائمات في غمٍّ وهمٍّ بسبب تعارض مواعيد عرض المسلسلات والفوازير الرمضانية! والتي تعرض عمداً في وقت صلاة المغرب والعشاء والتراويح والفجر!
وليت هذه المسلسلات والفوازير وما شابهها لها علاقة برمضان وقِيَمه وغايته "لعلكم تتقون"، بل العكس هي تقوم بتزييف رمضان بعرض وتشجيع انتشار الفواحش والدعارة بين الصائمين والصائمات، بل يقال إن مسلسلا عن زنا المحارم سيدنس ليالي رمضان ويشيع في أمتنا الخنا والدياثة، وبدلا من سمو الروح في رمضان نحو عبودية الرحمن الرحيم يسعى شياطين الإنس والجن إلى تدنيس أرواح الملايين في أوحال المعاصي والذنوب، من خلال قدوات سوء يتقاضون الملايين لنشر باطلهم بين الصائمين والصائمات بينما يحتاج الفقراء والمساكين لملاليم يفطرون أو يتسحرون بها، "إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون" (النور: 19).
ومن تزييف رمضان الأمسيات الرمضانية واجتماعات الإفطار والسحور التي بدلا من أن تكون تعين على طاعة الله بصيام نهار رمضان ويراعى فيها سنة الحبيب عليه الصلاة والسلام، تتحول عند كثيرين أو الغالبية لأن تكون وجبة الإفطار والسحور معصية بذاتها لما فيها معاصٍ وآثام واتباع سنة إبليس الرجيم.
فالاجتماع على أنغام مزمار الشيطان بدلا من القرآن والأذان والإفطار على سيجارة أو نفس شيشة بدلا من التمر واللبن والماء، أما الصلاة فلا وجود لها في البرنامج إلا من بعضهم وتكون في آخر الوقت وعلى استحياء، فضلا عن العري والتبرج من الصائمات! والنظرات الجائعة من الصائمين!
في رمضان الماضي تم دعوة أحد الفضلاء لإلقاء كلمة في سحور رمضاني لصالح الفقراء بأحد فنادق عمان، وذهب صاحبنا وهو يعدّ في نفسه كلمة تؤثّر بالحاضرين من الصائمين والصائمات ليجودوا على المحتاجين والمحرومين، ولما وصل إلى القاعة ورأى الحضور أصيب بالذهول وبحث عن مهرب على الفور، إذ لم يكن من الحاضرات من تسْتر بدنها بما يليق باجتماع لفعل خير فضلا عن كونه أمسية سحور رمضاني مبارك!
إن تزييف رمضان يكون بجعله مهرجانا وكرنفالا فيه كل مبطلات الصوم من انغماس مبالغ فيه في الطعام والشراب بكل الأصناف والأشكال بدلا من كونه حبس النفس عن الطعام والشراب!
وتزييف رمضان يكون كذلك بقلْبه من كونه شهرا للاقتصاد والتضامن مع الفقراء والمحتاجين إلى موسم للتبذير السفيه والإسراف الغبي! 
وتزييف رمضان بتحويله من فرصة للخلوة بالقرآن الكريم ومحاسبة النفس وكثرة الاستغفار والصلاة إلى موسم للاستكثار من السيئات والذنوب والكبائر عبر اللقاءات والسهرات في المقاهي أو أمام الشاشات.
هذا التزييف لصيام رمضان والخروج به عن غايته الربانية وأهدافه السامية هو سبب عدم تغيير سلوك كثير من الصائمين والصائمات نحو الأفضل، فحين زيّفنا مفهوم الأمانة في صيام رمضان بترك اللذة الحلال من الطعام والشراب للولوغ فيها بعد الإفطار مع الإكثار من السيئات الأخرى بترك الصلاة أو التهاون فيها والانكباب على المسلسلات بدلا من المصحف، لم نشعر بارتفاع أمانة الموظفين في أداء أعمالهم! ولم نرَ الصبر في قيادة السائقين لمركباتهم! ولم تنخفض المشاجرات على طوابير القطائف! ولم نجد النظام والترتيب للأحذية والسيارات على أبواب المساجد!
أيها الموفّق: رمضان اقترب فاستعد الاستعداد الصحيح له، واحْذر بضاعة الشيطان المزيفة لحقيقة رمضان، وتذكّر أن معيار صحة الصيام هو في قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدَع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدَع طعامه وشرابه" رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: "ربّ صائم حظّه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظّه من قيامه السهر" رواه أحمد وصحّحه الألباني.
وحتى تصل للصيام الصحيح يجب أن يصوم قلبك عن المعاصي، وبدنك عن الطعام والشراب، وهذا يحتاج إلى استعداد لقدوم رمضان من الآن بتعلّم أحكامه وغاياته والعزم على تغيير عاداتك وسلوكياتك المناقضة لرمضان، والتزام الأحكام الشرعية، وتبدأ بهذا اليوم حتى تصل رمضان مستعدا جاهزا لتحقيق غاية الصيام "لعلكم تتقون".
FacebookTwitterطباعةZoom INZoom OUTحفظComment