Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Jan-2017

ترامب واورويل.. و«الأخ الأكبر« ! - محمد كعوش
 
الراي - الصحفي الجنوب افريقي الأبيض المعادي للعنصرية دونالد وودز مؤلف كتاب « صرخة الحرية» ، كان أول مواطن يحمل جنسية الأمم المتحدة لتمكينه من مغادرة جنوب أفريقيا «بريتوريا» والخلاص من الأعتقال في زمن الحكم العنصري، بعد «مجزرة سويتو». وكان الكاتب المذكور أول شخص غير رسمي يقدم شهادته في مجلس الأمن حول التمييز العنصري.
 
عندما التقاه الرئيس جيمي كارتر سأله: ما هو الوضع في جنوب أفريقيا وكيف سنحل المشكلة يا دونالد ؟ أجاب دونالد وودز: « سيدي الرئيس الأمر يحتاج الى ثلاث ساعات من الشرح «. فأمر كارتر مستشاريه وكبار موظفي الخارجية الأستماع الى شرح دونالد وودز عن الأزمة في جنوب أفريقيا للبحث عن الحلول المناسبة ، واستغرق ذلك ثلاث ساعات كاملة. 
 
هذه المقدمة تقودني للقول أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب غارق بين الأوراق في مكتبه البيضاوي منذ يومه الأول ، ومشغول بتوقيع قراراته التنفيذية من أول دخوله الى البيت الأبيض, حتى قيل انه ضرب الرقم القياسي في التوقيع، وبعضها يتعلق بقضايا مهمة وكبيرة ، لم تأخذ من وقته ثلاث ساعات لدراستها ، وفي مقدمتها بناء الجدار على الحدود مع المكسيك ، ومنع دخول رعايا دول عربية واسلامية الى الولايات المتحدة, واغلاق ابواب « دولة المهاجرين « بوجه المهاجرين الجدد ، وتلويحه بنقل السفارة الأميركية الى القدس المحتلة.
 
هذه القرارت غير المدروسة أثارت عاصفة على الأدارة الأميركية الجديدة ، في زمن تسعى فيه الدول الى مد الجسور بدل بناء الجدران ، لأن من الصعب القبول بالجدران بعد هدم جدار برلين, الذي تغير العالم بعده. وستهب العاصفة على ادارة الرئيس ليس في الشرق الاوسط والبلاد العربية والاسلامية فحسب بل في دول الأتحاد الأوروبي ومعظم الدول الحليفة للولايات المتحدة.
 
هذا «الحراك الترامبي» السريع دفع بالبعض الى الأعتقاد أن الرئيس ترامب يمتلك «مشاعر بونابارتية» انقلابية ، أي أنه يريد تحقيق التغيير في الواقع الداخلي الأميركي ، كذلك يريد التغيير في السياسة الخارجية وعلاقات بلاده مع الخارج بشكل جذري، ربما لايمانه بالتغيير ،على قاعدة ان التغيير هو وحده الأبدي الدائم حسب اعتقاد الفيلسوف الألماني شوبنهاور ، ولكن شوبنهاور قال ايضا أن العناد ينتج عن محاولة الأرادة ان تقحم نفسها محل العقل.
 
وفي مواجهة «الترامبية» ، واصلت وسائل اعلام أميركية معركتها ضد الرئيس الجديد الذي أعلن الحرب على الأعلام ، وهو الخارج من الوسط الأعلامي ويعرف مدى تأثيره على وعي الناس. وسائل الأعلام نشرت مؤخرا ان رواية جورج اورويل بعنوان « 1984» عادت لتحتل رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة ، وربطت هذه الظاهرة بقدوم الرئيس ترامب.
 
الرواية تنتمي الى الخيال العلمي السياسي « ديستوبيا « أي انها تتحدث عن مجتمع خيالي فاسد وعنيف وسلطة فاسدة غير مرغوب فيها في دولة افتراضية اسمها ( اوشينيا ) يحكمها الأخ الأكبر ، وهو يقصد الأتحاد السوفياتي في زمن ستالين. عالم هذه الرواية عالم تشتعل فيه الحروب ، تشتد فيه الرقابة الحكومية وقمع التفكير الحر ، والتلاعب بالجماهير عبر تزوير الوقائع وتغيير الحقائق التاريخية الموثقة.
 
هنا لا مجال لتناول تفاصيل اكثر عن رواية اورويل ، ولكن لماذا اصبحت اليوم الأكثر مبيعا ، ولماذا الأيحاء بان قدوم ترامب انعش ذاكرة الأميركيين ليتذكروا جورج اورويل وروايته التي تتحدث عن الأسنبداد والفساد والفردية ؟
 
أعتقد أن طموح وجموح الرئيس الأميركي وامتلاكه الجرأة على البوح بكل اسراره الداخلية وكل ما يفكر به ، واسراعه في اتخاذ القرارات الجدلية وهو الصارم في تنفيذ وعوده لناخبيه ، واعتقاده بأنه « الرئيس الضرورة « بعد فوزه باسلوب غير مسبوق او مألوف ، أوقعه في وهم المنقذ أو المخلّص، وجعله في مرمى نيران الأعلام في الولايات المتحدة وخارجها ، والأيحاء بأنه « الأخ الأكبر « المستبد.