Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Feb-2018

عشق الزوايا - د. آية عبداالله الأسمر

 الراي - في القلب... وفي زاوية ضيقة تحترف فن البقاء، ما زلت أحتفظ ببقايا جديلة وخصلات شَعر من شِعر نزار، وآهات أم كلثوم ووجع عبد الحليم... في القلب... وفي زاوية ضيقة تحترف فن النوم على صوت فيروز، ما زلت أسمع لليل همسا، وللقمر وشوشات، وللفجر ألحانا...

في القلب... وفي زاوية ضيقة تحترف فن الاستلقاء على شواطئ الذكرى، ما زلت أحن
إلى حضن أمي، ودفء أمي، وحكايات أمي، وصوت أمي والحزن المعجون بالحكمة
والقلب المضمخ بالطيبة وجبين الفجر المتمسح بالعنبر والحب، والنبض المشرّب
بالحنان النابتين من صوت أمي...
في القلب... وفي زاوية ضيقة تحترف فن اجترار الأحلام، ما زلت أحلم بوردة جورية حمراء
من مجهول أعرفه يتركها على أبواب نافذتي وأعتاب قلبي، وأحلم بأرجوحة تلقيني
بين السحب وتمضي، وياسمينة تزهر في أعماق روحي بساتين فرح، وعمر لا ينتهي
من الطفولة والبراءة واللعب...
في القلب... وفي زاوية ضيقة تحترف فن الكتمان والأنين الخافت والبكاء بصمت، ما زلت
أستعذب طعم الألم المعشش في مفاصل الذاكرة، عندما أفتح صندوق الذكرى
وأبحث فيه عن أناس أحببتهم لكنني لم أحتفظ بهم، وآخرين أحببتهم وأضعتهم،
وآخرين أحببتهم وغدروا بي، وآخرين أحببتهم وغدرت بهم، وآخرين لا أحبهم ولا
يحبونني إلا أنهم من أحشاء الماضي تناسلوا في واقعي كابوسا يوميا لا مفر منه...
في القلب... وفي زاوية ضيقة تحترف فن الهروب والاختباء، ما زلت أركض حافية القلب إلا
من الحنين، وتراب الشاطئ يثير في جسدي شهوة الاستمرار، وأرى أمواج البحر
تشبهني عندما تتكسر على الصخور وتنهزم لكنها سرعان ما تعود...
في القلب... وفي زاوية ضيقة تحترف فن المواجهة، ما زلت أقرأ قصص الثوار وأطلب من
والدي أن يحدثني عن جمال عبد الناصر وأحداث حرب ال67 ،وما زلت مفتونة ببطولات
خالد وشجاعة حمزة، وما زال وجه جيفارا المصلوب على وجع المقهورين نائما بين
جفنيّ، وما زال غاندي ابتسامة أسطورة وصلاح الدين ثورة تنين لا يعرف معنى الموت...
في القلب... وفي زاوية ضيقة تحترف فن البكاء على الأطلال، ما زلت أتحسر على
الأندلس، وأنوح على فلسطين، وأتألم للبنان إلى أن سقطت مع بغداد...
في القلب... وفي زاوية ضيقة تحترف فن التمرد والعصيان والتصدي، أجدني ما زلت غير
قادرة على استيعاب كل هذه التكنولوجيا، وما زلت غير واثقة بهذه الحضارة الرقمية
وبهذا العصر الإلكتروني، ما زلت أحب رائحة الورق وأفتقد بقايا الحبر الأسود على
أصابعي بعد انتهائي من قراءة الجريدة، ما زلت مزروعة مع أوراق الزعتر ولم يفهم
لساني طعم الهامبرغر...
في القلب... وفي زاوية تحترف فن النكوص، ما زلت أندس بين وسائد الزمن الجميل
وتحت أغطية الحلم الضائع بتحرير الأرض، وأتكئ على أشجار يوتوبيا وأحتمي بقلاع
طروادة، وأسافر مع السندباد وأخاف على ليلى من الذئب وأجرب حذاء ساندريلا على
قدمي، ما زلت أرفض أن تلتهمني العولمة وأن يسلبني عالم الديجيتال طلاء أظافري
الأحمر ويحفر الشيطان بكعب شروره في عيني وفي قلبي براكين انفتاح وعولمة...
في القلب زوايا وزوايا غافية على امتداد العمر الهارب من الجرح، ومن طغيان هذا
العصر وأوساخ زمن رديء متخم بالهزائم، زوايا تسطو على قدرتي على مجاراة وضع
راهن يّفرض بالإكراه، ونزوح جماعي يفرض بالإكراه، ووظيفة مملة تفرض بالإكراه،
وملابس ضيقة تفرض بالإكراه، وأطعمة معلّبة تفرض بالإكراه، وهواء ملوّث يفرض
بالإكراه، وعلاقات دولية وشخصية مشبوهة تفرض بالإكراه، وحياة هي برمّتها مفروضة
علينا بالإكراه...
في القلب زوايا أحلم معها بعمر آخر وزمن آخر ويوم واحد يشبه أنفاسي... لهذا أعشق
الالتصاق بجدران الزوايا المسكونة بي، وأخاف على نفسي من الضياع في أزقة الغربة إن
أنا قررت يوما أن أتركها وأغادر...