Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Sep-2020

غصون رحّال: الرواية تقدمت على غيرها من أشكال الأدب منذ زمن طويل

 الدستور-حاورها: عمر أبو الهيجاء

«أنتجت جائحة كورونا مفردات ومصطلحات جديدة وأساليب سردية مختلفة»، هذا ما ذهبت إليه الروائية الأردنية المحامية غصون رحّال، المقيمة في بريطانيا، مؤكدة أن روايتها الجديدة «مَنُّ السَّما» تستكمل مشروعيها الروائي القائم على تقصي واستكشاف الثوابت والمتغيرات المحيطة بالهوية التاريخية والسمات الوطنية لفلسطينيي الشتات.
في حوارنا معها نتعرف على تجربتها الروائية وعلى مضامين روايتها الجديدة..
* ما الجديد والمختلف في رواية «منّ السما» عن رواياتك السابقة، وما جماليات السرد؟
- فيما تستكمل هذه الرواية مشروعي الروائي القائم على تقصي واستكشاف الثوابت والمتغيرات المحيطة بالهوية التاريخية والسمات الوطنية لفلسطينيي الشتات، من خلال تتبّع رحلة بطلة الرواية، السورية من أصل فلسطيني، وسعيها إلى التعرّف على ذاتها الفلسطينية كابنة قائد سابق في الثورة الفلسطينية، وتلمّس ما شاب هذه الهوية من غبن وتشويه في خضمّ ما تمر به سوريا من أحداث سياسية وحروب أهلية طاحنة، تختلف هذه الرواية عن سابقاتها في الشكل والمضمون وتقنيات السرد. تعتمد الرواية من حيث الشكل على تقنية تعدد الأصوات؛ ما يمنح شخوص هذه الرواية - من الموظفين في وكالات الأمم المتحدة المعنيّة بالإغاثة وحقوق الإنسان- المزيد من الحرية في سرد حكاياتهم بألسنتهم ومن زواياهم الخاصة دون تدخل كبير من كاتبة الرواية.
بالإضافة إلى أن هذه الرواية تتميز باحتوائها على طبقات متعددة من السرد شبيهة بعرائس»الماتريوشكا»الروسية، فخط الحكاية الرئيس يضم خطوطا سردية فرعية والحكاية تحتضن حكايا متشعبة أخرى تنفتح من لقاء نفسها على مزيد من التفاصيل وتكشف الكثير من الخبايا والأسرار في لعبة تشويق تحفز القارئ على البقاء مشدودا إلى صفحات الرواية حتى السطر الأخير.
أما من حيث المضمون، فربما تكون هذه الرواية هي الرواية الأولى التي تتناول موضوع الموظفين الميدانيين في منظمة الأمم المتحدة، متجاوزة بذلك الحدود الجغرافية القُطرية الضيقة، وحتى الفضاءات الإقليمية لتطّل على ما يجري في العالم من خلال مسبار أممي، يرصد ما يدور فوق هذه الأرض من صراعات ومؤامرات وتحالفات تجري علنا أمام عدسات التصوير وشاشات التلفزيون.
* تنقّلت أحداث الرواية من جنيف إلى أربيل في إقليم كردستان العراق، واستحضرت مشاهد أخرى من سوريا وغزة وأفغانستان وإيران وغيرها.. فما القاسم المشترك بين هذه الأمكنة؟
- الاستبداد هو القاسم المشترك بين جميع هذه الأمكنة، فأحداث الرواية تلقي الضوء على متلازمة الاستبداد/ البؤس؛ إذ حيثما وجدت الأنظمة المستبدة في هذا العالم، وجدت الشعوب البائسة. اشتغلت الرواية على رصد هذه الثنائية في البقع الساخنة من هذا العالم، مثل العراق وأفغانستان وسوريا وإيران، وأطلّت على أشكال عديدة من الاستبداد والبؤس من منظار كوني عابر للحدود والجغرافيا.
كتبت هذه الرواية لقول ما أعجز عن قوله بطرق أخرى لفضح الأنظمة المستبدة، وتعرية النظام العالمي الجديد وأدواته وتابعيه. هذا النظام الشبيه بـ»فرانكشتاين» يدير الفوضى الخلاقة ويصنع الحروب ويخلق عناصر الإرهاب إلى أن أوصل العالم إلى ما آل إليه من خراب.
  أوردت الرواية خفايا كثيرة عن تنظيم «داعش» إثر احتلاله لمدينة الموصل وعن الفظائع التي ارتكبها بحق الطائفة الأزيدية وخاصة النساء، من أين استقيت هذه الخفايا؟ وهل هي نتيجة لتجربة عشتها أم هي مخزون معرفي ؟
- الحقبة التي احتل فيها «داعش» مدينة الموصل من عام 2014 إلى أن تمكّنت القوات العراقية المشتركة بمساندة القوات الدولية من دحره في نهاية عام 2016، شكّلت منعطفا مهماً في تاريخ المنطقة، وفضحت التواطؤ الإقليمي والعالمي الذي مهّد الطريق أمام هذا التنظيم للتوّسع والغطرسة وارتكاب المجازر والمذابح في العراق والشام. كنت قد بدأت بكتابة هذه الرواية بعد حادثة إحراق النساء الأزيديات التسع عشرة وهن على قيد الحياة في مدينة الموصل لشدة ما تأثرت وصدمت من بشاعة هذه الجريمة وغيرها من المذابح التي كانت تجري على قدم وساق في إقليم كردستان ضد الطائفة الأيزيدية. وصادف أن كنت في مهمة للأمم المتحدة لثلاثة أشهر في أربيل – كردستان في عام 2017، تمكنت خلال هذه المدة من إجراء المزيد من البحث والتقصي عن تلك المرحلة، وتوثيق بعض قصص الناجيات من النساء الأزيديات والتعرّف على خفايا كثيرة كشفت عنها الرواية. هذا لا يعني أن كل أحداث الرواية استقيتها بنفسي، فقد أمضيت شهورا طويلة من البحث والتقصي على الانترنت عن أحداث وردت في الرواية، خاصة فيما يتعلق بأفريقيا الوسطى وإيران وأفغانستان.
* ما رأيك بالجدل القائم حول اعتبار الرواية ديوان العرب؟
- رأيي أن هذا الجدل سيظل قائما طالما بقيت ذائقة القراء متنوعة ومتباينة، وطالما بقي لكل جنس أدبي عشاقه المدافعون عن جماليته وخصوصيته. فيما يخصّني، أعتبر الرواية عالما ممتعا ومليئا بالمعرفة والتجارب الإنسانية، والمشارب الفكرية، والحقب التاريخية، والدلالات النفسية التي لا يضاهيه بها عالم آخر. ولذلك، لا يمكنني إغفال حقيقة أن الرواية تقدمت على غيرها من أشكال الأدب منذ زمن طويل بسبب ما تتمتع به من خصائص لا تتوافر في القصة القصيرة أو الشعر، فعالم السرد وما يستحضره من خيال وشخوص يقوّلها الكاتب ما يريد، ويحركها كما يشاء ضمن أطر زمنية ومكانية غير محدودة تمكنه من التواصل مع القارئ وإيصال الرسالة التي يريد بوسائل مختلفة، وربما ملتوية في بعض الأحيان. كما أنها الشكل الأدبي الوحيد الذي يستطيع احتمال قضايا اجتماعية وسياسية وفلسفية لا تحتملها القصة أو القصيدة، وعليه، لا أجد ما يمنع من اعتبار الرواية ديوان العرب.
* ما هو، من وجهة نظرك، موقع الرواية العربية في المشهد الروائي العالمي ؟
- تصعب المقارنة بين الرواية العربية والرواية العالمية، فلكل نص أدبي سياقاته السياسية والتاريخية والثقافية، بالإضافة إلى أساليبه السردية والفنية المختلفة. وقد تنوعت البنى السردية، والصيغ الجمالية للرواية العربية وانفتحت على مجمل الخبرات الإنسانية، بحاضرها وماضيها ومستقبلها، بآمالها وأحلامها، وهواجسها وانكساراتها، وسعت إلى التعريف بنفسها بوصفها عطاء فنيا في فضاء الرواية العالمية مع الاحتفاظ بخصوصيتها وتميّزها. وربما يكون للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتشظية التي شهدتها المنطقة العربية عبر الزمان أثر كبير على تطور بنية الرواية العربية على نحو لم تشهده الروايات العالمية. وقد ساهمت ترجمة بعض الأعمال الروائية العربية، خاصة الفائزة في الجوائز العالمية مثل «البوكر» العربية، و»كتارا « في وضع الرواية العربية في مكانة لا يمكن تجاهلها على خارطة الأدب العالمي. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى تراجع دور المؤسسات الثقافية في دعم الكاتب العربي، ومحدودية قدرات معظم دور النشر العربية على الترويج للكتاب العربي عموما، والرواية العربية خصوصا في المعارض العالمية.
* هل أنتج الأدب العربي أدبا يشار إليه في المستقبل حول جائحة كورونا؟
- لا استطيع القول إن أدبا يشار إليه قد تم إنتاجه خلال هذه الأشهر القصيرة من عمر جائحة كورونا. هناك بعض المحاولات الأدبية لتسجيل مستجدات الواقع الحياتي والمعيشي في ظل الجائحة، وما لحق بروتين الحياة الاعتيادية من متغيرات طارئة جرّاء الجائحة. واطلعت كذلك على بعض الكتابات المتعلقة بتدوين يوميّات الحجر المنزلي، ولكن هذه المحاولات والكتابات لا ترقى، من وجهة نظري على الأقل، إلى مرتبة الأدب بعد. غير أنه ليس خافيا أن جائحة كورونا قد أنتجت مفردات ومصطلحات جديدة، وربما أساليب فنية وسردية بمعايير مختلفة لم يتم التطرق إليها من قبل قد يلجأ الكتّاب إلى استخدامها لتناول القضايا المرتبطة بهذه الحقبة من عمر الزمن، والتطرق إلى مواضيع جديدة من قبيل التباعد الاجتماعي وطرق التواصل عن بعد، أشكال الاعتماد الكلّي على التكنولوجيا والإنترنت في تسيير مختلف شؤون الحياة، مواضيع التعليم التلفزيوني والإلكتروني، أو إعادة التفكير بكم الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها بعد انتهاء الجائحة مما سيثرى النص الأدبي ويدخله عوالم أخرى جديدة.