Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Mar-2017

رجل ولا كل الرجال - يوسف عبدالله محمود
 
الراي - في عام 1958 قام المؤرخ البريطاني المعروف ارنولد توينبي بزيارة للشرق الأوسط، زار خلالها بيروت ومن ثم الأردن. وقد رافقه مدير عام وكالة الغوث آنذاك السيد (جون ردوي) وهو بريطاني الجنسية ومن رجال الأمن العام الراحل صادق نظيف.
 
في اثناء زيارته للأردن عرَّج توينبي على قرية «بتير» القريبة من مدينة بيت لحم المحتلة اليوم والتي كانت تمثل نموذج الصمود والبناء والشاهد على الفعل الاجرامي بحق شعب فلسطين. في «بتير» التقى المؤرخ العالمي توينبي بشخصية وطنية كبيرة معروفة على نطاق عربي وعالمي. صاحب هذه الشخصية هو الراحل حسن مصطفى، دار بين الاثنين حوار له دلالته العميقة. استهل الحوار حسن مصطفى –رحمه الله- فسأل توينبي سؤالاً يتعلق بمصطلح «الحياد الايجابي». قال له: لقد قضيت سبعين عاماً تبحث عن الحقيقة. اريد منك جواب عالم، هل تؤمن بالحياد الايجابي؟. فأجاب توينبي: ليس هناك حياد ايجابي!
 
بعدها راح الراحل حسن مصطفى يوجه له اسئلة أخرى تتعلق بالواقع الفلسطيني آنذاك بعد نكبة 1947. سأله: لو جاء العرب وقالوا إننا واليهود أولاد عم وقليل عليهم الجزء هذا وعلينا ان نعطيهم الباقي، ما هو موقف الغرب؟ ردّ توينبي: لا يقبل ولا يرضى الغرب!
 
وسأله: لو أن اليهود «طلعوا أوادم» وقالوا سنرجع ونعيش كما كنا، فما موقف الغرب؟ قال توينبي: لا يقبل ولا يرضى الغرب!
 
وهنا قال حسن مصطفى لتوينبي: قل لرئيس وزرائكم هذه الحقيقة. عندها قال هذا المؤرخ العالمي: إنني سأُساند قضيتكم الفلسطينية. وهنا تبسم حسن مصطفى وقال: إن رأيك بعد مُسانداتنا لكم يشكل نقطة في المحيط! رأيك وحده غير كاف. سيكون كمن يغرف البحر بطاقيته! («حسن مصطفى والمشهد الثقافي التنموي»، الصادر عن مركز حسن مصطفى الثقافي» بتير، بيت لحم، تأليف: نادية حسن مصطفى)
 
توثق ابنته نادية حسن مصطفى لمرحلة نضالية عاشها والدها قبل رحيله. تحكي في كتابها ملحمة كفاح سطرها رجل عاش وقضى يناضل كما قيل في تأبينه عند وفاته، «بأسلوب عقلاني يتعاطى مع المنطق والحق» لا يهادن من انتزع بالسطو والعدوان هذا الحق وهو العدو الإسرائيلي بالتواطؤ مع الاستعمار الغربي.
 
في قريته الصامدة «بتير»، قابل حسن مصطفى شخصيات عالمية كثيرة بحجم توينبي، وكلهم أكبروا في الرجل وطنيته وتجربته الباهرة في مجال التنمية والابداع.
 
أبدع حسن صطفى تراثياً على نحو شهد له فيه الكثيرون من أعلام فلسطين والاردن والعالم وابدع أيضاً تنموياً.
 
وكان حسن مصطفى بحق مفكراً تنويرياً ورجل تنمية رائداً في عصره، اصتطاع هذا الرجل بجهد يقصر عنه جهد مجموعة من الرجال ان يردّ جدار العزل العنصري عن قريته «بتير» لا بالسلاح بل بقوة حجته ومنطقه العقلاني وهو يجادل عدوه.
 
وكدليل على فرادة هذه التجربة التنموية التي ابدعها حسن مصطفى «ابو مازن» والتي أشاد بها الكثيرون نشير الى ان جامعة الدول العربية والامم المتحدة حين قررتا وضع سياسة للنهوض بالمجتمعات المحلية ترسّمتا نهج هذه التجربة التنموية التي بدأها حسن مصطفى منذ الأربعينات من القرن الماضي. المرجع السابق ص 10.
 
زاهداً في المناصب والشهرة كان ولو ان هذه الاخيرة سعت اليه بنفسها تقديراً لتجربة تنموية باهرة. ملتصقاً بتراب وطنه ظلّ بالرغم من المناصب الدولية التي عُرضت عليه. كان يرد على عارضيها بمقولته المشهورة «منفعتي تبدأ من تحت قدمي أولاً». وفعلاً اثبت ذلك حين بقي لصيقاً بمسقط رأسه «بتير».
 
وبالرغم من انه لم يعش سوى سبع واربعين سنة إلا ان انجازاته الكثيرة على المستوى الوطني ستظل شاهداً على عظمة هذا الرجل الذي آمن بأن لا مستحيل في الحياة ما دامت إرادة المرء قوية.
 
الراحل حسن مصطفى كان من اوائل العاملين في تأسيس جهاز التعليم في وكالة الغوث. لم يعرف النفاق في حياته، صلباً في الحق كان.
 
قال فيه الدكتور اسحق موسى الحسيني لحظة وفاته: «كان كاتباً ساخراً يكتب تلميحاً ويبطن اكثر مما يظهر، قوي الحجة، يحسن مقارعة الخصم ومجادلة الصديق، وأبرز ما فيه تعلقه بأرضه وإحساسه بآلام شعبه».
 
رحم الله حسن مصطفى، سيرته وانجازاته ستظل في ذاكرة وطن احبه.
 
هو بحق –وكما وصفه د. حازم نسيبة- رجل ولا كل الرجال.
 
robroy0232@yahoo.com