Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Apr-2019

عصا البشير السحرية تتكسر* د.باسم الطويسي

 الغد-اسدلت الستارة على حكم الرئيس السوداني عمر البشير اخيرا، بعدما حكم بلاده بالعصا التي بقي يلوح بها لشعبه متوعدا ومهددا على مدى ثلاثة عقود من التلون السياسي والانقلاب على الحلفاء والاصدقاء والشركاء والحروب الأهلية والمجاعات والانفصال.

نهاية ايضا جاءت بانقلاب عسكري لا يبدو انه سيأتي بأخبار سارة حيث أعلن المجلس العسكري الذي شكله وزير الدفاع عن اعتقال الرئيس وتشكيل مجلس عسكري لمدة عامين، وهذه المدة الطويلة لا تدعو إلى التفاؤل فقد ضحك الانقلابيون من العسكر والعقائديون والايديولوجيون العرب كثيرا على ذقون الشعوب باحجية الفترة الانتقالية التي لا تنتهي ولا دور فعليا لها الا تهيئة الظروف لانتقال الزعيم الانتقالي إلى زعيم فعلي ثم إلى زعيم مؤبد مدى الحياة. 
الموجة الثالثة من الربيع العربي تأتي ناعمة هذه المرة حركات احتجاجية واسعة شبه سلمية، وانظمة عتيدة ومدججة بالقوة والاوهام تتهاوى بسرعة وتخرج من المشهد كما حدث في الجزائر والسودان. بعد موجتين من التحولات العربية القاسية التي دفعت خلالها الشعوب العربية اثمانا باهظة للديمقراطية والتغيير دون جدوى. 
في اقل من أسبوع اسقط الشباب العربي الغاضب والمحبط زعيمين هما من اوتاد النظم التقليدية في العالم العربي، ما يؤكد أن الأسباب والجذور الأولى للربيع العربي في مطلع هذا العقد ما زالت مستمرة بالفعل، وان الشباب العربي الذي ثار في ساحات تونس وميدان التحرير مستمر في اشتباكه التاريخي مع الاستبداد والفساد، لكن وحسب ما تتوقع العديد من الدراسات فأن موجات اخرى من الاحتجاجات الشبابية في البلدان العربية سيكون دافعها الحقيقي البطالة وقسوة الظروف الاقتصادية، وانعدام الفرص أمام الشباب مع استمرار الاحباط واليأس مع عجز الانظمة السياسية عن ايجاد الحلول والبدائل أو تقديم ابتكارات اجتماعية – اقتصادية تستوعب الشباب والعصر. 
صحيح ان النخب السياسية والعسكرية التي حكمت الخرطوم على مدى خمسة عقود فشلت في الدرس الأول في صناعة الاستقلال وهو فتح الطريق أمام الاندماج الاجتماعي والتكامل السياسي مع الدولة أي بناء دولة لكل مواطنيها وانتهى المشهد بانفصال الجنوب في 2011 وقبلها سلسلة حروب ومجاعات طويلة، إلا أن تأثير العقود الثلاثة الأخيرة أقسى في العديد من الجوانب وأكثر تعقيدا من المنظورين السياسي والاستراتيجي.
برز البشير حينما قاد انقلاب الضباط الإسلاميين المنتمين الى الحركة الإسلامية (الاخوان المسلمين) على حكومة منتخبة ديمقراطيا ثم انقلب هو بدوره أكثر من مرة على اخوانه، ومنع الأحزاب وعطل الدستور، وأصدر قانونا خطيرا سمي (قانون النظام العام) الذي استعاده من حقبة الرئيس جعفر نميري سيئ السمعة وتحت ذريعة تطبيق الشريعة الغى السمات المدنية للدولة السودانية، وانشأ ما سمي (شرطة النظام العام) وتتمتع هذه الشرطة بصلاحيات اطلاق النار لمجرد خروج فتاة بلباس قد يوصف بانه غير لائق حيث ارتكبت هذه الشرطة العديد من الجرائم البشعة وتحديدا بحق النساء في بلد متعدد الاديان والعرقيات والثقافات. 
مثل البشير صورة مختصرة للجيل الثاني من الزعماء العرب في عهد ما يسمى الدولة الوطنية بعد الاستقلال وحمل كل مثالب الجيل الأول بسلوكه الانقلابي ومصائب الجيل الثالث مرة بالاستبداد واخرى بارتداء عباءة الدين للاستمرار والاستفراد بالسلطة حيث تختصر عصا البشير قصته ومعه جيل من الزعماء العرب فلطالما لوح بها مرات عديدة للتهديد والوعيد والنيل من خصومه السياسيين ومرات لتهديد شعبه المحتج بان مصيره بدونه إلى شعب من اللاجئين، ومرة اخرى يرقص بعصاه السحرية فرحا بنتائج انتخابات مزورة.
لا تبدو في الافق حلول قادمة، فما تزال صناديق الانتخابات العربية لا تأتي بالجديد، ثمة دورة تاريخية من الصراع الاجتماعي وصراع الداخل مع الداخل وصراع الداخل مع الخارج الذي قد يأخذ على اقل تقدير ربع قرن حتى يتمكن الشباب العربي المحبط المنتشر في الشوارع من صناديق الانتخاب ويتمكن من مسك مفاتيح الحل.