Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Jul-2016

هل هناك إجماع إسلامي على محاربة الإرهاب؟ - منعم زيدان صويص
 
المحور: مواضيع وابحاث سياسية 
     
الحوار المتمدن - مع اشتداد الحملة العسكرية في المنطقة العربية ضد حركات التطرف الإسلامي، تشتد الهجمات اليائسة للمتطرفين الذين يدعون أنهم يخدمون الإسلام، وتتسع وتنتشر هذه الهجمات في المنطقة وفي العالم، وتتخذ أشكالا ووسائل متعددة. وكان الهجوم على الفرنسيين المحتفلين بذكرى الثورة الفرنسية، (يوم الباستيل)، مساء 14 تموز، خطيرا جدا لبساطة الخطة والعدد الكبير لضحاياها. ومن غرائب الصدف أن الشخص الذي قاد الشاحنة وغاص بها في بحر من البشر المحتشدة في مدينة نيس الفرنسية وقتل على الأقل 84، وجرح ضعفهم، بينهم العديد من النساء والأطفال، هو من نوعية البشر الذي جاءت مبادئ الثورة الفرنسية، وهذا الاحتفال بالذات، للدفاع عن أمثاله -- حرية، مساواة، أخوة. 
 
وقبل هذا الهجوم بأقل من أسبوعين قتل الانتحاريون التابعون لداعش عدة مئات من العراقيين الشيعة في حي الكرّادة ببغداد في أكبر هجوم انتحاري في العراق منذ الغزو الأمريكي، وربما في التاريخ، ويمكن اعتباره ثأرا لهزيمة داعش 
في الفلوجة. 
 
وفي 18 تموز، هاجم شاب من أصل أفغاني ركاب قطار بألمانيا، متسلحا بسكين وفأس، وجرح عددا من الركاب، جروح بعضهم خطيرة، وعولج أكثر من عشرين شخصا لإصابتهم بصدمة نفسية، وكان الفتى يصرخ "الله أكبر" أثناء الهجوم. ويقول وزير داخلية ولاية بافاريا إن عائلة ألمانية تبنته قبل فترة لأنه كان لاجئا يتيما. وقد وجدت الشرطة علم داعش في الغرفة التي يعيش فيها. وبعد ساعات نشرت الدولة الإسلامية فيديو للشاب المراهق وقالت انه من أتباعها.
 
وأخيرا وصلت العدوى إلى بنغلاديش، هذا البلد الفقير المعدم، الذي كان مسالما إلى أبعد الحدود، والذي يبدو الآن أنه أفضل حاضنة للإرهاب، وبدأنا نسمع بقتل بنغاليين ينادون بالعلمانية أو بالديمقراطية، وهجمات على أمكنه يرتادها الأجانب. وفي هذا البلد فرع للقاعدة هو جزء من منظمة "القاعدة في شبه القارة الهندية" وأعضاؤه ينفذون عمليات ضد العلمانيين، أو ضد الأقلية الهندوسية، أو الذين يتبنون الفكر الحر، أو بعض المدونين الذين يختلفون مع المتطرفين في الرأي. وللقتلة البنغاليين طريقتهم الخاصة، فهم ينهالون على ضحيتهم طعنا بالسكاكين وتقطيعا بالسواطير إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
 
وكانت أرض بنغلاديش جزءا من باكستان حتى عام 1970، عندما انفصلت وتبنت هذا الاسم، ومعناه "دولة البنغال،" وأعتقد أن هذه الدولة الآن مرشحة لأن تصبح حاضنة مهمة وقاعدة للإرهاب بسبب انتشار الفقر والبطالة والجهل، التربة الخصبة لتجنيد الشباب. ولم تتأثر الباكستان كثيرا بهذا الانفصال ولكن دولة بنغلاديش زاد فقرها، وبقيت ضعيفة، نتيجة للنمو السكاني السريع الذي لم يصاحبه نمو في مصادر الدخل. ويبلغ عدد السكان الآن حوالي 165 مليونا. ويظهر أن مصائب البنغال لن تتوقف. ويقول العلماء أن معظم البلاد سيغرق تحت مياه خليج البنغال إذا استمرت ظاهرة الاحتباس الحراري وبدأت مياه المحيطات بالارتفاع. إلى أين سيذهب هؤلاء؟ 
 
من الواضح أن نتائج التطرف كانت وستكون وبالا على المسلمين بشكل عام، وخاصة الأقليات المسلمة في العالم، ففي الهند نفسها، بلد الهندوس، أقلية من المسلمين تعدادها 255 مليونا، وهناك ملايين المسلمين في الدول الغربية التي لم تكن تميز ضدهم قبل ظهور الحركات المتطرفة التي تدعي بأنها تدين بالإسلام. ماذا يتوقع المسلمون من أتباع الديانات والثقافات الأخرى في بلدان العالم أن يفعلوا إذا استمر التطرف المرتبط بالإسلام بالاستشراء في هذه البلدان؟ 
 
من الواضح أن جزءا كبيرا من المسلمين، وخاصة من أهل السنة، ليسوا مجمعين على محاربة داعش وبقية المنظمات المتطرفة، رغم المصائب التي ألحقتها هذه التنظيمات بالشعوب الإسلامية في الشرق والغرب، وأقصى ما يذهب إليه هؤلاء هو القول بأنهم لا يؤيدون الوسائل التي تتبعها هذه المنظمات لتحقيق أهدافها، وهو موقف يعتبره الكثيرون، في الشرق والغرب، عذرا أقبح من ذنب. وهم لا يقومون بأي عمل لمنع الإرهاب، ولا يساعدون الحكومات هناك في اعتقال المتطرفين الخطرين ولا حتى في التعرف عليهم.
 
أما أصحاب الرأي في الدول العربية والإسلامية فردود أفعالهم عجيبة، فكلما خرج أحد المسلمين واعتدى على أبناء الشعب الذين يعيش بينهم، انبرى للتعليق على الهجوم عدد كبير من الكتاب، إما للدفاع عن الإسلام -- مع أن أحدا لا يعتبر تعاليم الإسلام مسئولة عن ذلك -- أو لإيجاد الأعذار لهؤلاء الإرهابيين الضالين، كأن يقولوا مثلا إن السبب يعود للتمييز ضدهم، أو يلومون ما يسمونه "الصورة النمطية" للمسلم في تلك البلدان، وكأن هذه الصورة النمطية أخترعها الناس هناك ولم تنتج من الأفعال التي تنفذ في جميع أنحاء العالم ضد المسلم وغير المسلم على حد سواء. لماذا لا نرى "صورة نمطية" كهذه، للأقليات الأخرى المعدمة في أمريكا والغرب، من أصول إفريقية ومن المكسيك، تجعلهم ينفذون هجمات انتحارية ضد المدنيين؟ إن الإسلام لا يحتاج لهؤلاء المدافعين لأن هناك مليار وسبعماية مليونا من البشر يؤمنون به، بل يحتاج إلى من يخلص الأجيال الجديدة من الأمراض التي زرعها في ضمائرهم ذووا العقول الملتوية والتعاليم المنحرفة. 
 
وأحيانا يدعي هؤلاء بأن الأمريكان هم الذين خلقوا الإرهاب لأنهم ساعدوا ثوار أفغانستان على طرد الإتحاد السوفييتي من البلاد. ولنفرض جدلا أن هذا صحيح، أليس من المنطق، والحالة هذه، أن تشكر طالبان والقاعدة وغيرهما أمريكا لمساعدتهم في هزيمة السوفييت وانسحابهم من أفغانستان؟ 
 
لقد تبين أن معظم الهجمات الانتحارية في فرنسا وبقية الدول الأوروبية، قام بها مهاجرون من بلاد المغرب العربي، التي حكمتها فرنسا والتي قاومت الاستعمار الفرنسي مدة طويلة، وخاصة الجزائريين الذين حاربوا فرنسا وانتزعوا استقلالهم منها بالقوة. غير أن تاريخ الثورة الجزائرية لم يسجل حالة انتحارية واحدة ضد المدنيين الفرنسيين. كان باستطاعة شباب الثورة الجزائرية أن ينفذوا مثل هذه العمليات في ذلك الحين، وكان باستطاعة الجزائري أن يهاجم بسيارته جموع الفرنسيين المدنيين، في الجزائر أو في فرنسا نفسها، أو يفجر نفسه بهم، ويثأر لمقتل الجزائريين المدنيين، ولكن الجزائريين لم يفعلوا ذلك، لأنهم كانوا عقلانيين ومنضبطين وحكماء وخضعوا للقوانين الحضارية المدنية في ذلك الحين وكسبوا احترام العالم، وأثبتوا عدالة مطالبهم. وحاربوا حربا نظيفة رغم المظالم التي ارتكبها الفرنسيون آنذاك بحقهم. كان الشباب في المغرب العربي شجعانا ولكنهم كانوا يقدرون الحياة، وهذا ليس جبنا ولكنه شجاعة. فالانتحاري يُقدِم على فعلته لأنها أسهل الطرق المؤدية للموت وأقلها إيلاما. 
 
ماذا يدفع الإنسان لقتل نفسه؟ لا شك أن الانتحاري المتطرف المضلل يؤمن بأنه يحارب لتحقيق هدف مقدس وطمعا بما يتصور أنه الجنة، ولا شك أيضا أن الشعوب الغربية بدأت تقتنع بأنه من الصعب هزيمة هؤلاء المتطرفين أو التعرف عليهم قبل أن ينفذوا ما يؤمنون به، وأن الطريقة الناجعة الوحيدة هي الإقناع ومحاولة تغيير الأفكار، وهي تأمل أن تقوم الدول والمراكز الإسلامية بذلك. 
 
الحركات الإسلامية المتطرفة هي من بنات الإسلام السياسي، ومن نتائجه في العالم العربي والإسلامي. ويجب أن نعترف بأنه رغم كل ما حصل ويحصل، ليس هناك إجماع من قبل الشعوب الإسلامية على محاربة المنظمات الإرهابية، وخاصة ما يسمى تنظيم الدولة. وإذا كان الكثيرون يدّعون أن الغرب هو الذي خلق المنظمات الإرهابية فلماذا يتردد هؤلاء في تأييد الحملة على الإرهاب؟