Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Oct-2019

النظافة والحضارة*د. صلاح جرّار

 الراي-النظافة بكلّ معانيها الحقيقية والمجازية هي نقيضة الحضارة، ولا أستطيع أن أتخيّل مجتمعاً موصوفاً بالتحضّر وأهله لا يراعون النظافة سواءً في أجسامهم أو طعامهم وشرابهم أو بيوتهم وملابسهم أو الأماكن التي يسكنون فيها، أو نظافة أيديهم وقلوبهم وأخلاقهم وألسنتهم وأفكارهم، فمتى تخلّوا عن ذلك فإنّه يكون بينهم وبين الحضارة ما بين الثرى والثريّا، وفي تراثنا الثقافي والديني أنّ النظافة من الإيمان، ونقلت المصادر التاريخية عن أهل الأندلس الذين بلغو شأناً رفيعاً في التحضّر أنّ الواحد منهم كان مستعداً لأن يطوي نهاره جائعاً مقابل أن يشتري بالمال الذي لديه صابوناً يغسل به جسده وثيابه.

 
والنظافة تكسب صاحبها جمالاً وجاذبية وحسن منظر وتحبّب الناس بعضهم إلى بعض فتزيد من تماسك المجتمع الذي هو مظهر أساسي من مظاهر التحضّر.
 
وما دام محور اهتمام الحضارة هو الإنسان وخدمته وسعادته وتقدّمه، فإنّ النظافة شرط أساسي من شروط هذه الخدمة، لأنّ غياب النظافة أو انعدامها بأي صورة من صورها يلحق الأذى بالناس والمجتمع، وهو فعلٌ مناقض للسلوك الحضاري والمظاهر الحضارية، ولذلك فإنّ المجتمعات الحديثة عندما أولت البيئة اهتماماً كبيراً، إنّما قصدت بالدرجة الأولى موضوع النظافة وإزالة كلّ ما يتسبب بأذى لصحة الإنسان وما يفسد عليه جمال حياته ومحيطه وبيئته.
 
ويخطئ كثيراً من يعتقد أن إلقاء قشرة صغيرة من المكسّرات أو عقب سيجارة في أي مكان لا يشكّل خطراً على البيئة لصغر الحجم، لأنّ تراكم مثل هذه الأشياء الصغيرة يشكل في النهاية مقداراً كبيراً من الأوساخ والنفايات، وإن الجهد الذي يبذل في إزالته قد يفوق الجهد الذي يبذل في إزالة النفايات كبيرة الحجم، وهذا يضيف تعباً جديداً لمن يعملون في خدمة التنظيف، ولذلك فإنّه ليس فعلاً أخلاقياً أن يقوم الشخص بإلقاء هذه النفايات كيفما يشاء دون مبالاة بتعب الآخرين وشقائهم وما قد يلحقه بهم من أضرار وربما آفات صحيّة.
 
إنّ صور الاستهتار بالنظافة في مجتمعاتنا لا تكاد تحصى وهي بحاجة إلى مراجعة دائمة وإلى توعية متصلة وإلى تفعيل صارم لقوانين المحافظة على البيئة.
 
ولا تفوتني الإشارة إلى أن عدم الحرص على نظافة البدن والملابس والبيئة ومكان السكن يدلّ في كثير من الأحيان على عدم نظافة الداخل كاليد والقلب والنوايا والضمائر، ودليلٌ قاطع على الابتعاد عن الحضارة وحلم النهضة والتقدّم.
 
إنّ النظافة جمال كوني وجمالٌ روحيّ وجمال إنساني ينبغي أن نجعل منه هدفاً أساسيّاً في حياتنا كي نضمن السلامة والصحة والأمن والتحضّر.