Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Jan-2017

تحديات عراق ما بعد الموصل - حسن أبو هنية

 

الراي - لا تزال معركة استعادة الموصل دائرة بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انطلاقها دون إمكانية تحديد جدول زمني لنهاية المعركة نظرا للمقاومة الشرسة التي يبديها تنظيم الدولة الإسلامية وتوقف المعارك عدة مرات لمراجعة الخطط الموضوغة وتعديلها حسب تبدلات الوضع الميداني نظرا للخسائر الكبيرة التي منيت بها قوات الجيش العراقي والبيشمركة والحشد الشعبي والحشد العشائري المدعومة بحملة جوية لدول التحالف الدولي بقيادة أمريكا ورغم التقدم باستعادة معظم الأجزاء الشرقية للموصل فإن الأجزاء الغربية الأكثر كثافة سكانيا ستكون أكثر صعوبة ومع ذلك فإن تحديات إعادة بناء العملية السياسية في العراق ما بعد معركة استعادة الموصل أشد تعقيدا وصعوبة من طرد تنظيم الدولة.
 
شكلت عملية استعادة الموصل فرصة لإعادة بناء الوحدة الوطنية في عراق منقسم على نفسه منذ الاحتلال الأمريكي فقد جمعت معركة الموصل معظم الفرقاء المتشاكسين وقاتل الجيش العراقي مع قوات البيشمركة الكردية، وقاتلت مجموعات عسكرية غير نظامية بينها قوات الحشد الشعبي، مع قوات القبائل السنّية، وقد أعلن قبل بداية المعركة كل من رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني أن الجيش العراقي والبيشمركة يتعاونان عسكرياً للمرة الأولى في تاريخ العراق، وقال العبادي: «أن كل الناس هنا للقتال إلى جانبنا، الكرد مع العرب، والشيعة مع السنّة، وكل الأقليات هنا معنا ــ المسيحيون والإيزيديون والتركمان، لنقاتل يداً بيد»، الأمر الذي أكده المبعوث الأممي الخاص إلى العراق، أمام مجلس الأمن حبن قال: «نشهد ولادة عراق جديد مع قواته الأمنية التي يستقبلها المدنيون استقبال المُحررين». 
 
يبدو أن شجرة التفاؤل التي تحجب غابة التشاؤم ستخضع للامتحان في حال هزيمة وطرد تنظيم الدولة الإسلامية المرجحة من الموصل، فالمعركة لن تنهي أزمة الثقة والخلافات المعقدة بين الفرقاء السنة والشبعة والعرب والكرد والمواطن والدولة والحكومة والأقاليم المتنازع عليها والدور الأمريكي والإيراني والتركي، فأزمة الثقة هي عنوان عراق ما بعد الاحتلال.
 
يمكن التوصل إلى نوع من التفاهمات بين الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة وتقع تحت النفوذ الإيراني وحكومة إقليم كردستان بتبادل وتقاسم المصالح رغم صعوبة ذلك وربما تقوم أمريكا بالفصل بين القوات في معركة النفوذ، لكن أزمة الثقة الكبرى بين السنة والشيعة يصعب تجاوزها فبروز الحركات السنية الراديكالية هو نتيجة لعمليات الإقصاء والتهميش والقمع الذي تعرض له السنّة في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وهي السياسات التي ساهمت بقوة بانتقال حركة احتجاج المحافظات ذات الغالبية السنّية من العمل السلمي الذي اتّسمت به في فترة 2012-2013، إلى التمرّد الجهادي العنيف.
 
إن عملية إعادة الثقة بين الحكومة العراقية التي يهيمن عليها المكون الشيعي وبين المكون السني تتطلب إجراءات وإصلاحات عملية وحقيقية تتجاوز الاستثمار والتوظيف والتلاعب والوعود بتحقيق شراكة سياسية فعلية دون إقصاء فأجهزة الدولة العراقية العسكرية والمدنية ما بعد الاحتلال تحتكرها مكونات شيعية بصورة شبه كاملة ولا بد من وقف الإقصاء السياسي الذي جاء به قانون اجتثاث البعث ثم قانون المساءلة والعدالة، وتعديل قانون مكافحة الإرهاب وخصوصا مادة المخبر السري الذي أفضى إلى آلاف المعتقلين دون أدلة، والعفو عن عشرات آلاف السنّة الذين سُجنوا بموجب القانون دون محاكمة عادلة.
 
لا يمكن تجاوز صيغة عراق ما بعد الاحتلال وعراق ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية دون تعديلات جوهرية في بنيّة وهيكلية السلطة التي تنظم علاقات بغداد بالمحافظات والجماعات العرقية والمذهبية، فالواقع يشير إلى أن التراب العراقي مقسم بين ثلاثة كيانات فعليا أحدها يقع في مناطق تسيطر عليها الدولة العراقية وتُهيمن عليها الفصائل الشيعية؛ والثانية مناطق تقع تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان، ومناطق ثالثة يهيمن عليها تنظيم الدولة الإسلامية، الأمر الذي يتطلب صيغة وعقد اجتماعي جديد ينبني على المواطنة والمساواة والقانون بعيد عن المحاصصات الطائفية والإثنية والعرقية والتدخلات الخارجية وشبكات الفساد والمحسوبية.
 
لكن بعيد عن الأوهام والأحلام فإن العراق ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية هو دولة مليشيات شيعية تحت الحماية والرعاية الإيرانية ففي الوقت الذي لم ينجز مشروع الحرس الوطني السني فقد أقر سريعا قانون الحشد الشعبي الشيعي وبات جزءا من الدولة بل إنه فوق الدولة وقد ارتفعت عديد قواته إلى قرابة 150 ألف مقاتل موزّعين على أكثر من 50 فصيلا وخصص له من ميزانية العام الحالي 2،5مليار دولار، رغم أن الموازنة العراقية لعام 2017، التي أقرها البرلمان كشفت عن عجز يقدر بـ 18 مليار دولار.
 
هكذا فإن مسألة إعادة الإعمار وعودة النازحين بعد استعادة الموصل ستواجه تحديا كبيرا وعلى الأرجح لن تستطيع الحكومة العراقية الوفاء بوعودها للمحافظات السنيّة المدمرة وسوف تتفاقم أزمة الثقة الحادة بين المكونات السنية والشيعية فالمعركة الحقيقية سوف تبدأ فور انتهاء العمليات العسكرية وتبرز مرة أخرى الجدالات والمطالبات دون حلول جذرية لعراق منقسم لا يزال بعيدا عن الحداثة السياسية وغارق في الانقسامات الطائفية والإثنية.