Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Mar-2017

..حتى الحب - عبدالهادي راجي المجالي
 
الراي - أمس على مدخل طوارئ المدينة الطبية, خرج نقيب وزوجته من هناك ..يحملان معهم (كيسا) من الأدوية, ويحملان فرح ...وهي ربما طفلتهم الأولى ولا أظن أن عمرها يزيد عن عامين..
 
فرح جاءت إلى هناك تعاني من حرارة شديدة, وربما أعطاها الطبيب مصلا في الوريد ربما قام بعمل تبخيرة لها, ربما وضعوا لها كمادات المهم أنهم أجروا اللازم لها...
 
كانت الساعة تقريبا تشير إلى العاشرة, والنقيب لف ابنته (بالفلدة) العسكرية, ولمها إلى صدره, وزوجته كانت تمسك بيده, وأنا كنت واقفا على باب الطوارئ..أنتظر صديقا ..كان النقيب يقبل رأس فرح كل دقيقة, ويقول لزوجته :- (نزلت الحرارة) ..وأنا لأني أعرف الجيش جيدا, يبدو أن صنفه هو الدروع, أو المشاة المهم أنه يخدم في وحدة مقاتلة, فالبسطار الذي يرتديه, والمسدس ..والفوتيك, كلها عليها اثار الغبار...
 
الزوجة خرجت على عجل يبدو, ولم تكن مرتدية شيئا ثقيلا, وكانت الرجفة واضحة على وجهها من شدة البرد...والنقيب لم يؤثر فيه البرد ولا الموقف, لأن عيونه لم تغب لحظة عن فرح...يبدو أن ابنته كانت تمنحه الدفء أكثر من كل شيء.
 
بعد فترة, جاءت جيب عسكرية, مدججة بالطين والغبار...وأنا لا أعرف من أين جاءت لكن يبدو أنه أخذ إجازة سريعة مدتها (6 ) ساعات فقط ربما أو أقل, وسيعود لمكان خدمته, في نفس الوقت جاء شقيق (أم فرح) ...ولأن السيارات العسكرية, محصورة بالعسكريين فقط ويمنع على المدنيين ركوبها, طلب النقيب من زوجته أن تغادر بسيارة شقيقها, وهو صعد مع فرح في الجيب, وقال لشقيق زوجته:- (هيني وراكو)...
 
تمنيت لو لدي كاميرا كي أسجل المشهد, طفلة ملفوفة بفلدة عسكرية ووالدها نقيب في الجيش وتركب سيارة عسكرية, يقودها جندي ومتجهة لمنزلها...هل يوجد أنجع من هذا العلاج؟.
 
يبدو أن هذا الضابط غادر موقع الكتيبة التي يخدم بها على عجل فقط كي يداوي ابنته ومن ثم يعود لمكان خدمته, وكل ما يرضيه في العمر قبلة من فرح, وشعور بأن الحرارة زالت, لو شاهدتم لهفته وهو يلفها (بالفلدة) لأدركتم معي كم يوجد في الأردن حنان ومحبة ورضى, ومن يتقن هذه الفنون الراقية هم العسكر فقط.
 
رفض أن يعطيها لأمها, عندما طلبت منه أخذها...وأصر هو أن يوصلها لسريرها وصعد الجيب العسكرية, وعيناه لما تفارق وجهها, والقبلات..على جبينها كانت تنطلق منه بكل ما في العمر من شوق.
 
أسرني منظر هذا الضابط الأسمر, وسيكتب في تاريخ فرح حين تكبر وتصبح صبية جميلة, مثل شجرات السرو في الكرك..سيكتب في تاريخها أنها عادت ذات يوم من المستشفي بالجيب العسكرية.
 
لحظتها وأنا أراقب مشهد ذاك الضابط, قلت في داخلي, من يحمي فرح من الهواء..ومن بقايا البرد في اذار, من يتلهف لقبلة منها ولا تغادر عيناه محياها...من يخلع رتبته العسكرية ويلف فيها ابنته كي يحمي جسدها المتعب...من يعشق فرح بكل هذا السيل الجارف من العشق, كيف لا يحمي وطنا تسكن فيه فرح.
 
سيدي النقيب نحن أمامكم صغار, فحتى الحب تتفوقون فيه علينا...حماكم الله