Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Mar-2019

خيط الدم من حرق الأقصى إلى مجزرة نيوزيلندا*رشاد ابو داود

 الدستور-خيط من الدم يربط بين المتطرفين في العالم، الضحية دائماً هي الانسان، والخاسر هو الانسانية، وقد انتشر في ايامنا هذه اولئك الذين نصبوا انفسهم وكلاء للرب في الارض، يكفرون من يكفرون، ويقتلون من يقتلون. وفوقهم ثمة من يوجههم ويحركهم ويغسل أدمغتهم بماء أهدافهم القذرة.

مجزرة مروعة تلك التي ارتكبها ذاك الارهابي الاسترالي برينتون تارانت بدم بارد في نيوزلندا، وقتل خمسين مسلماً داخل المسجد، مكرراً ما اقترفه ضد الاسلام والمسلمين مواطنه الاسترالي دينيس مايكل روهان الذي أحرق المسجد الاقصى عام 1969 لاعتقاده ان فلسطين هي المكان الذي سيظهر فيه السيد المسيح!.
هذان وامثالهما ينتمون الى «الصهيومسيحية» التي حرفت الدين المسيحي بتدبير من اليهود والحركة الصهيونية العالمية،وانتشرت بخاصة في اميركا مركز الثقل الصهيوني بعد تراجعه في اوروبا.
 جريس هلسل صحفية وكاتبة أميركية مرموقة، قامت بتغطية الحرب في فيتنام وعاشت لسنوات في أوروبا وكوريا واليابان وأميركا الجنوبية، وفي أعقاب تغطيتها الصحفية المميزة للحملة الانتخابية للرئيس الأميركي الأسبق (ليندون جونسون) اختارها جونسون كاتبة لخطاباته، صدرت لها كتب كثيرة، غير أنها تعرضت للاضطهاد والعزلة حينما كشفت حقيقة المسيحية الصهيونية في كتابها «النبوءة والسياسة» الذي أثار حين صدر في الولايات المتحدة في نهاية الثمانينيات ردود فعل واسعة النطاق على اعتبار أنه كان من أبرز الكتب التي فتحت ملف المسيحية الصهيونية من داخلها، حيث كانت (هلسل) أحد أتباعها، ثم قررت أن تكشف المسيحيين الصهاينة ومعتقداتهم للعالم، ودفعت مقابل ذلك ثمناً باهظاً فيما بعد، حيث اختفى الكتاب بعد صدوره وكانت تُسحب نسخه من الأسواق أولاً بأول، وتعرضت هلسل لضغوط صهيونية لازمتها طيلة حياتها، وأصدرت كتابها الثاني عن المسيحية الصهيونية تحت عنوان «يد الله».
كانت هلسل أول صوت إنجيلي يرتفع ضد هذه الحركة، وأول صوت مسيحي يكشف حقائق داخلية عن فلسفة هذه الحركة وعن خلفياتها التاريخية، وجاءت في زيارات حج الى فلسطين عدة مرات مع فريق الحركة الذي يسمي نفسه الصهيونية المسيحية.
مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي يمثل كل الكنائس في المنطقة العربية أصدر عام 1985 بياناً أدان فيه بشدة استغلال التوراة واستثمار المشاعر الدينية، في محاولة لإضفاء صبغة قدسية على إنشاء إسرائيل ولدمغ سياستها بدمغة شرعية. وجاء في البيان « إن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم الصهيونيين المسيحيين لا يعترفون لكنائس الشرق الأوسط بتاريخها وبشهادتها وبرسالتها الخاصة، ويحاولون زرع رؤية لاهوتية غريبة عن ثقافتنا».
النظرية الأساسية للمسيحية في موضوع اليهود، وهي نظرية وضعها القديس أوغسطين تقوم على ثلاثة مبادئ، الأول: إن الأمة اليهودية انتهت بمجيء المسيح. المبدأ الثاني هو: إن الله طرد اليهود من فلسطين عقاباً لهم على صلب المسيح. والمبدأ الثالث هو: إن النبوءات التي تتحدث عن عودة اليهود قد تحققت بعودتهم من بابل على يد الإمبراطور الفارسي (قورش) وأن هذه الأمور انتهت.
 فيما بعد، في عام 1607 نشر لاهوتي يهودي في بريطانيا يدعى (توماس برايتمان) كتاباً بعنوان (أبوكالبسيس) يدعي فيه أن الله يريد عودة اليهود إلى فلسطين؛ لأنه يحب أن يعبد من هناك. هذا الطرح لقي أذناً صاغية من بعض المشتغلين في قضايا لاهوتية سياسية. في ذلك الوقت كان اليهود يتعرضون إلى اضطهاد في روسيا القيصرية وفي بعض دول أوروبا الشرقية وكانوا يلجأون إلى أوروبا الغربية.
النظرية الدينية الجديدة وجدت من يتلقفها ومن يؤمن بها حقاً، لم تعد مجرد عملية استغلال سياسي، أصبحت هناك مدرسة دينية لاهوتية قائمة عليها منذ ذلك الوقت المبكر، وفي عام 1649 وجه لاهوتيان بريطانيان كانا يعيشان في هولندا رسالة إلى الحكومة البريطانية يطلبان فيها أن يكون لبريطانيا «شرف نقل اليهود على البواخر البريطانية إلى فلسطين تحقيقاً للإرادة الإلهية بوجوب عودتهم إلى هناك « على أساس أن للمسيح عودة ثانية، ولهذه العودة شروط لابد من توافرها، وهي انه لن يعود إلا إلى مجتمع يهودي، ولن يظهر إلا في صهيون.
انتشرت هذه المدرسة في أميركا بسبب نقل الحركة الصهيونية نشاطها الاكبر الى العالم الجديد، خلافا لأوروبا التي عاث فيها اليهود فساداً، وهو ما تضمنته أدبياتهم التي صورت اليهودي بالمرابي والفاسد كما في شخصية شايلوك في مسرحية شكسبير «تاجر البندقية».
معظم رؤساء اميركا كانوا من اتباع هذه المدرسة. الرئيس ريغان وصل إلى مرحلة أن يقول وهو رئيس الولايات المتحدة أكبر دولة في العالم : إنني أتمنى أن يكرمني الله بأن أضغط على الزر النووي حتى تقع معركة هرمجدون وأعجل بذلك بالعودة الثانية للمسيح.
السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تتجاوز مصالحها، وتعتبر أن هناك النظرية التي تقول بأن مساعدة إسرائيل والالتزام بها ليس أمراً سياسياً، ولا يقع في إطار حسابات المصالح السياسية أو الاقتصادية، إنه تنفيذ وممارسة عبادية.
كاتب خطابات الرئيس بوش (مايكل جارسون) هو من أبناء هذه المدرسة، ولذلك نجد في خطابات الرئيس بوش بعض العبارات الدينية مثلاً عبارة محور الشر الذي يضع فيه كل من هو ضد اسرائيل.
كما استخدم عبارة «انها حرب صليبية» في أول تصريح له حول أحداث 11 ايلول سبتمبر 2001. و» العدالة المطلقة « لمشروع الهجوم على العراق وهي من ثوابت العبارات الدينية لدى هذه الحركة؛ بمعنى أن العدالة المطلقة لن تتحقق إلا بالعودة الثانية للمسيح، وأن المسيح عندما يعود هو الذي سيحقق العدالة المطلقة.
أما الرئيس الاميركي الحالي ترامب فهو من اشد اتباع «الصهيومسيحية» وتفاخر بأنه فعل ما تردد الرؤساء السابقون بفعله، فنقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، ثم اعترف بالمدينة المقدسة عاصمة لاسرائيل، كما انه فرض حظراً على دخول رعايا عدة دول اسلامية من دخول اميركا.
وليس غريباً ان يكون المجرم تارانت الذي ارتكب جريمة قتل المصلين في نيوزلندا متاثراً بترامب حين أشاد به في بيانه الذي نشره على الإنترنت ووصفه بأنه «رمز لإحياء الهوية البيضاء» !
*ينشر بالتزامن مع «البيان»