Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Feb-2018

نقل الأوراق النقاشية الملكية الى حيز التنفيذ - د. فيصل غرايبة

الراي -  تشكل الأوراق النقاشية الملكية مبادرة خيرة من صاحب المبادرات الثرية والاثرائية، تخاطب الجميع وتستنطق الأغلبية الصامتة من الأردنيين، وتستثيرها لتعبر عن ما يدور في خلدها، ولتقول رأيها فيما يتعلق بالشأن العام، فهي دعوةللمشاركة الشعبية بفعلها وفكرها ووجدانها في صناعة

 الأردن الجديد، وفقا لنهجه الوسطي، الذي يحترم التعددية والتنوع ويصون الدستور ويديم الحياة النيابية، ويعتبر هذا الطرح الملكي القوي بعيد المدى دعوة للمواطنين لكي يحشدوا طاقاتهم ويصبوا
جهودهم لأداء واجبهم الوطني، بتولي المسؤولية الاجتماعية تجاه بلدهم، لا بل
والتمتع بحقهم في القيام بهذه المسؤولية الواجبة والضرورية، اذ أن الأردن بحاجة إلى
اهتمام الفرد بالمحيط الذي يعيش فيه، بحيث يرتبط به عاطفيا ومعنويا، ويشعر هو
كما الجميع أن مصلحة واحدة مشتركة تربطهم بهذا المجتمع، وهذا المكان الذي لم
يعد حسب مشاعرهم كأي مكان، تحتاج هذه المصلحة العامة إلى الفهم المتبادل بين
المواطن والمجتمع، لكي يفهم المواطن المجتمع الذي ينتمي إليه، كإطار ثقافي له
عاداته وتقاليده وأعرافه ومعتقداته واتجاهات التفكير فيه، وآمال الناس العامة
وطموحاتهم لمستقبل مجتمعهم، ولكي يفهم المواطن، معنى مشاركته في
النشاط العام من أجل مصلحة المجتمع، وإدراكه لأهمية هذا الدور، بدافع من ذلك
الفهم وذاك الاهتمام، لانجاز ما تتطلبه مصلحة المجتمع.
لقد قطع جلالة الملك قول كل خطيب، عندما وضع الكثير من النقاط المضيئة على
الحروف الكثيرة، وقد تروى وصبر وتدبر الأمر بشجاعة ووعي وشعور عميق بالمسؤولية
التاريخية المستمدة من مسؤولية الهاشميين وشرعيتهم الممتدة والمستمرة لقرابة
قرن من الزمان تجاه هذا البلد الآمن وتجاه الأمة الواحدة، وبشر في ثنايا أوراقه
المتفحصة بتشكيل حكومات نيابية، بخطوات ثابتة ومستمرة وبعمل دؤوب وجهد
حثيث، من الجميع، لا تقاعس فيه من أحد ولا إقصاء ولا تهميش، وبنفس الوقت لا
انسحاب منه ولا سلبية تجاهه ولا مقاومة، إذ يرفض قائد الوطن أن يبقى الأردن بأقواله
 
وتصرفاته وتوجهاته منشغلا بالأشياء العادية، وأن يغض الطرف عما يحدث بالفعل،
والتغير ماض بازدياد، في كل الأنحاء والمناحي، فالملك لا يكتفي بإحداث تغييرات
سطحية في مجالات محدودة كالتقنيات والإنفاق، ولكنه يسعى ويلح على الجميع على
أن يعملوا من أجل تغيير حقيقي يطال البنية الثقافية للمجتمع الأردني والعمليات
السياسية التي تدار بها الدولة، ولذلك فالأوراق الملكية لم تنحصر في قراءة أرقام
ورسم برامج، ولم تتضمن وعوداً مفتوحة على الزمن والإمكانات والتمنيات، أنما اتجهت
إلى المهمة الأساسية في قيادة الإصلاح الشامل بعيد المدى وبعيد النظر.
تصبح القضية هنا: كيف نجعل القائمين بالعمل تفكيراً وتخطيطاً وتنفيذاً شركاء في
التغيير، وكيف تحول قيادات المجتمع المدني هؤلاء المعنيين إلى قوة للتغيير، بكل
إيمان وحماس وقناعة، ويتحول هؤلاء إلى طاقة متفانية تقود عملية التجديد، اذ ان
القائد المستنير، كعبد االله الثاني ابن الحسين، هو الذي يتحقق من قدرته على حمل
جماعته أو مرؤوسيه أو معاونيه على السير في طريق التغيير والـتجديد نحو الأفضل،
والتي توصل المؤسسات والتنظيمات إلى أهدافها، أوالمجتمع إلى أبعد مستوى
ممكن من الرفاهية والاطمئنان والسعادة، وبالصورة الواقعية والممكنة، وفقا
للتساؤل المبدئي:ما الهدف الذي أسعى إليه؟ وهذا لن يتأتى إلا بوجود قيادة من
النواب والأعيان والوزراء والقادة المحليين والشعبيين، على أي مستوى من مستوياتها
هذه القيادة، وفي أي شكل من أشكال التنظيم الجماعي. وتشير هذه الأوراق إلى أبرز
ما يضمن النجاح لعمليات تنمية المسؤولية الاجتماعية، ألا وهو تطبيق مبدأ تكافؤ
الفرص، فتنبه إلى أهمية أن تصبح المسؤولية الاجتماعية ممارسة حياتية، لا تقوى
عليها مشاهد الخرق أو الفساد، ولا تزعزعها تداعيات الانتهاك والإهمال.
تنطوي أوراق جلالة الملك الشاب على دعوة مفتوحة للشباب الأردني إلى شق طريقه
في الفعل الوطني النهضوي، من أجل تعميق منهج الوسطية في حياة الإنسان
الأردني، لتكون في مكونات شخصيته، مما يجعله ممارسا للاعتدال، ونابذا للتطرف،
قابلا بالتعددية والتنوع، ومن أجل انتظام الشباب الأردني كذلك في العمل الحزبي
والتطوعي، يشارك في الانتخابات المختلفة نيابية وبلدية ونقابية، متخليا عن مختلف
أصناف التعصب العشائري أو الجهوي أو الإقليمي أو العنصري، ومحافظا على تلك الأطر
في الوقت نفسه، كمقومات للتآخي والتعاون بين الناس، مخلصا قيمنا الدينية
والأخلاقية من المزايدات والمبالغات، واتجاهات التكفير واحتكار الحقيقة، متجنبا إتباع
اتجاهات الإقصاء والاستبعاد، عاملا على بث روح احترام الدستور والقوانين والأنظمة،
وعلى احترام دوري المواطن والمسؤول في دولة المؤسسات، متحليا بالتواضع والرؤية
والتفكير الموضوعي والمواقف المنصفة مع الأقران.
لقد ألمحت أوراق جلالة القائد الى فكرة»المواطنة»، فالمواطنة ليست ولاء عاطفيا
وانتماء للوطن فحسب، بل هي انتظام عام له محدداته وأبعاده في حياة الناس، تمتد
إلى حقيقة المساواة في الحقوق والواجبات، وإعلاء قيمة الحرية والهوية الوطنية
الواحدة، وتحقيق التنمية الشاملة في إطار تكافؤ الفرص.ودعت إلى الحوار والتوافق
بممارسة واجب المساءلة، وإننا كأردنيين لو اختلفنا في وجهات النظر أو المواقف فإننا
لن نفترق، وهذا ما جعل الربيع الأردني ربيعاً يانعاً وادعاً مزهراً قاد إلى أجواء
ديمقراطية وتفاعلات شعبية كبيرة.
فما الذي يعيد ترتيب الاتجاهات وتنظيم علاقات المواطنة لتهيئ المجتمع لمتطلبات
التحديث والتطوير؟
رسم الملك خارطة الطريق للتحول الديمقراطي، ووضع الكثير من الإجابات، وبشر
بتشكيل حكومات نيابية، بخطوات مستمرة ودؤوبة وحثيثة، من غير تقاعس ولا
إقصاء ولا انسحاب ولا مقاومة، فاتجهت الأوراق أساسا إلى كيفية الوصول إلى الإصلاح
الشامل بمعناه ومبناه، وبما يدفع الأردنيين جميعا إلى التفكير ببدائل التغيير
الوطني الشامل نحو الأفضل، وفقا لرؤية مشتركة بين الجميع، بحيث يشعرون أنها
لهم وأن مستقبلها جزء من مستقبلهم، في اطارالسعي إلى خلق القيمة الايجابية.
ويطرح الملك في الورقة الرابعة مثلاً، قراءته الدقيقة وتشخيصه الواقعي لطبيعة
المرحلة التي يمر بها الأردن، ليحدد في ضوئها متطلبات التحول الديمقراطي، وهي
تعزيز المجتمع المدني، ودوره في مراقبة الاداء السياسي، وتطويره نحو الأفضل،
وكذلك ترسيخ الثقافة الديمقراطية في المجتمع الأردني، وفقا لبرنامج التمكين
الديمقراطي الذي يشكل اطلاقه رسمياً نقطة انطلاق على مسار التنمية السياسية
وتعزيز المشاركة الشعبية.
يمكن القول في الختام أن الشعب الأردني يؤيد ما جاء في الأوراق الملكية الزاخرة، ولا
يصدر تأييده عن عاطفة أو مجاملة، ولكن بادراك واع لأهمية ما قاله جلالة الملك فيها،
ولا يعتمد هذا الشعب في تعامله مع قيادته الهاشمية المتميزة، إلا بلغة الحوار
المفضي إلى التفاهم من أجل تقدم بلده ومن أجل حفظ حقوق هذا الشعب وكرامته،
كما أن مختلف فئات المجتمع الأردني شريكة في تأييدها للملك وإخلاصها للقيادة، بما
لا يدع لأي فئة أن تحتكر هذا التأييد أو تدعيه لنفسها دون سواها، وأن الأردنيين كذلك
يرفضون التعامل معهم بأساليب الاستهواء أو الاستقواء التي حاولت فيها بعض
التيارات أو التنظيمات إقناعهم بها للإضرار بالمصلحة الوطنية، ويستطيع الأردنيون أن
يصمدوا أمام المضايقات، وأن يواجهوا التحديات وراء القيادة الهاشمية، مهما كلفهم
ذلك من شظف العيش وشح الموارد وقلة الإمكانات، ولهذا فإن التأييد لما طرحه جلالة
الملك يعبر عن حالة التماسك في الوحدة الوطنية الصلبة، والتي تفند ما يشكك به
الآخرون من الواهمين والموهمين، اذ إن علاقة الأردني ببلده لا تحكمها قيود أو زواجر،
وإنما هي مبنية على ارتباط عضوي ووشائج قوية مستمرة عبر الأجيال، مثلما يرتبط
موقع الملك القائد في أذهان الناس بموقع الأردن على خارطة العالم وفي قلب الوطن
العربي والعالم الإسلامي وباعتزازه بالسلالة الهاشمية القرشية وبرسالة النهضة
العربية الكبرى.
استشاري اجتماعي- باحث
في قضايا المواطنة
عضو المكتب التنفيذي لحزب الاصلاح
dfaisal77@hotmail.com