Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Aug-2018

مزيد من اليقظة والفطنة - د. ماهر عربيات

الراي - خلال الحرب الأهلية الاسبانية التي اندلعت عام 1936 واستمرت ثلاثة أعوام، قال الجنرال الاسباني إميليو مولا وهو أحد قادة القوات التي زحفت نحو مدريد بالتعاون مع ألمانيا النازية، ان لديه خطة تتضمن مهاجمة العاصمة الاسبانية من خلال أربعة طوابيرعسكرية وطابور خامس.

وحينما سئل عن المقصود بالطابورالخامس، أجاب بأن هذا الطابور يتكون من مجموعة من المواطنين، غايتهم تثبيط الهمم وترويج الشائعات وإثارة القلاقل والفتن، ونشر الأخبار التي تثير الخوف والفزع عند المواطنين، وتنحصر مهامه في تقويض الدولة من الداخل...وبعد ثلاث سنوات سقطت مدريد، ومنذ ذلك الوقت عرف العالم مصطلح الطابور الخامس، الذي بات سلاحا سهلا تلوكه ألسنة خصوم الدولة.
من أين أقَبل هؤلاء؟ فالشمس ما زالت مشرقة في سماء الوطن، فهل يبتغون حجبها بالإفتراءات والأكاذيب؟ هل يعتقدون أنهم عثروا على مفاتيح المجد، وأن المستقبل بات بين أيديهم! لماذا يتبارون بخفة ومثابرة على منصات التواصل الإجتماعي للنيل من البلاد؟ أما أرضعتهم الأردنيات؟ ألا يحبون الأردن كما نحبه؟
الشائعات من أشد الحروب المعنوية خطورة، ومن أكثر الأسلحة فتكا ودمارا، وأعظمها وقعا وتأثيرا، ولا نبالغ حينما نقول أنها ظاهرة اجتماعية عالمية، لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية، وأنها جديرة بالتشخيص والعلاج، وتستحق المواجهة والاهتمام لاجتثاثها والتحذير منها، والتكاتف للقضاء على أسبابها وبواعثها، حتى لا تقضي على الروح المعنوية للشعوب، التي هي أساس نجاح المواطنين وأمن واستقرار المجتمعات، وجوهر بناء ثقافات وحضارات الأمم.
فإذا كان محظورا على الإنسان ترهيب الآخرين، وتداول الأخبار البسيطة في أوقات الطمأنينة والاستقرار، فما هو حال من يعمل على ترويع مجتمع كامل، ويثيرالمحن والهرج، ويزعزع استقراره النفسي والأمني والسياسي، لاسيما بعض رواد التواصل الإجتماعي، الذين اتخذوا من تلك المواقع منصات لإطلاق الشائعات والأخبار الكاذبة، من أجل مضاعفة أعداد المتابعين، والتفاخر في أسبقية امتلاك ونشر المعلومة والخبر.
حينما تحاصر الطفيليات النبتة السليمة لتعطل نموها، فإن الشائعات ومروجيها أشد خطورة نتيجة مقاصدهم وغاياتهم في زعزعة البنى التحتية للمجتمع، وهدم أركانه وخلخلة بنيانه. والواقع المؤسف أن المواطن الذي يرفض تصديق الأكاذيب الموجهة ضد مسؤول حكومي، يتهم بأنه يدافع عن الحكومة، لأن المطلوب من مستقبل الإشاعة أن يصدقها، أو يصمت على أقل تقدير!
تهويل وتضخيم الحدث وتضليل الرأي العام جزء من الحرب الإعلامية والنفسية التي تستهدف الأمن والسلم المجتمعي، لكن مستوى فاعليتها يتوقف على إمكانية مطلق الإشاعة ودقة صياغتها وتكوينها، ومستوى الوعي الثقافي والسياسي للشعب الذي يستقبل الإشاعة. وللأسف فإن ذهنية أهل الأردن خصبة جدا لتصديق الأخبار المغلوطة، لاسيما إذا كانت موجهة ضد الحكومة. وقد ساهمت وسائل التواصل الإجتماعي في تسهيل فبركة الأكاذيب وإظهارها وكأنها حقيقة لا تقبل الشك، ناهيك عن سهولة نشر الإفتراءات بالسرعة الممكنة وعلى أوسع نطاق عبر التكنولوجيا الحديثة.
الشعب الأردني مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى اليقظة والفطنة، لحماية المجتمع من الانهيار والتفكك والتصدع، في عصر مرتبك من تاريخنا العربي، وتذبذب في رؤى المستقبل، وفي زمن غامض ومبهم ونفس مضطربة، وعقل بات يتخاطفه تحالف واسع من عديمي المعرفة والمسؤولية، وفي وقت انخفضت فيها العزيمة العربية، وأصبحت خارطة الأوطان تحمل تضاريس بؤس لا بأس، وألم لا أمل، وامتثل الكثيرون لراحة اليأس، واختفت خطى الصادقين الصالحين في معالم بلا طريق.
mahers.arab@hotmail.com