Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Apr-2017

في فلسفة الدولة - ابراهيم العجلوني
 
الراي - اذا افترضنا الحرية حالاً طبيعية للانسان, فإن علينا أن نفترض دائرة واسعة من امكانات تحقق هذه الحرية, ولما كان في طوق الانسان ان يمارس حريته على نحو يؤذي انساناً آخر, فإن الخروج من هذه الاشكالية لا يكون بتنازل الانسان عن حريته (التي هي شرط انسانيته ومناط تكليفه) ولكنه يكون بتنازله عن امكان الفعل الضار بغيره, وذلك ان كان فهو يمثل امتناعاً ذاتياً عن الشر والتزاماً ذاتياً بالخير. وهو الاساس المكين لأي عقد اجتماعي أو مبايعة أو مواثقة. وفي حال انعدام الوازع الذاتي الذي يمنع من تظالم الافراد يغدو الوازع الخارجي ضرورة حيوية لبقاء المجتمعات. وها هنا يكون المسوّغ الاكبر للدولة التي يختلف في شأنها الفلاسفة السياسيون, فيراها كثير منهم من حيث هي قوة تشكّلت من مجموع تنازلات الافراد عن اجزاء من حرياتهم لصالح دولة أو حاكم مطلق الحرية أم مقيّدها يضمن امنهم وسلامتهم وحسن تدبير شؤونهم. ويراها بعضهم ملتقى ارادات حرة تترجم عن خيرية الانسان ورغبته في العيش المشترك الآمن مع الاخرين.
 
وأن تكون الدولة اختياراً لارادات حرة خير وأحسن عاقبة من ان تكون جماع اضطرارات يمليها حب البقاء أو الرغبة في الانتفاع. ذلك أنها تتماسك بالاعتبار الاول تماسكاً ذاتياً, على حين اذا رُفع قيد الاضطرار في الاعتبار الثاني لسبب أو لآخر رُدّت احوالها الى أسوأ العواقب وصار أمرها في جملته, فرطا..
 
إن الدولة بما هي خيار حرّ منظور فيها الى حميميّة تضمن أن يتمتع افرادها بوحدة الوجدان والشعور على نحو ما يكون في الاسرة الواحدة. ولعل هذا أن يكون وراء ما كان يذهب اليه الفيلسوف الالماني هيجل من أن الدولة امتداد للاسرة.
 
أما من يشذ من أفراد المجتمع أو من مواطني الدولة أو من اعضاء الاسرة, أو من يضعف وازعه الاخلاقي الذاتي, فقوة الدولة (أو سلطة الأب) كفيلة بمعالجته حتى يعود آمناً الى سربه, على اختلاف في صور هذه المعالجة واساليبها.
 
وقد نعجب أن في تاريخنا العربي فرقة (هي الجبارات التي ورد ذكرها في مقالات الاسلاميين للإمام الأشعري) ذهبت الى أنه لا ضرورة للدولة في حال تناصف الناس ولم يتظالموا, وفي حال كان لهم قانونهم الاخلاقي الذي يحتكمون إليه ومظلّتهم القيمية التي يتفيأون ظلالها.
 
على أن هذه مثالية يصعب تحقيقها وإن كان يستحب الاستهداء بها وتنوّر دلالاتها..
 
ومهما يكن الأمر, فإن ما نقوله هنا لا يعدو كونه وجهة نظر في فلسفة الدولة, وفي شرطها الانساني ومسوّغها البنيوي, نأمل أن نهز بها رتابة الاذهان أو أن نلفتها الى أهمية التفكّر فيما يُحصّن الدول والمجتمعات من عوادي الفشل والاضطراب والهوان.