Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Feb-2018

المجتمعات المهترئة والتعليم الجاف - رومان حداد

 الراي - تتعالى اليوم الأصوات المطالبة بالإصلاح، ويكثر الكلام عن الإصلاح على مواقع التواصل الاجتماعي بلغة ساذجة وضعيفة ومليئة بالأخطاء الإملائية والقواعدية، ويُلاحظ المراقب أن الغالبية العامة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يكررون ذات الأفكار وذات النسق بالتعامل مع القضايا العامة والملحة، مرتاحين لوجودهم في منطقة تقبل بها العامة، أي أنهم يتلاحمون بما يقدمونه من خطاب مع خطاب العموم، دون تمحيص أو فحص محتواه.

وفي ذات الوقت يمكن لمن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي أن يلحظ حجم اللغة المشحونة الرافضة لكل مختلف، والجاهزة للانقضاض عليه، بدعوة امتلاكه الحق والحقيقة، ووقوف الطرف الآخر إلى جانب الباطل أو أنه مجرد لعبة في يد الشيطان.
من يمشي في شوارعنا ويسمع حواراتنا يلحظ كم أصبح مجتمعنا مهترئاً، وكم أصبحت أدواته بالية وأفكاره بعمومها متطرفة، وللمراقب أن يسأل، من غير براءة، هل يمكن لمثل هذا المجتمع أن يقوم بإصلاح أو أن يتقبل الإصلاح؟
للأسف لن يطول به الانتظار حتى يصل إلى يقين الجواب أننا غير جاهزين للإصلاح، ولا يمكن لنا أن نتقبل حدوثه، وهو جواب صادم ولكنه وإن جاء على شكل اعتراف مر، إلا أن الكثير من الحقائق على الأرض تؤيده، وبالتالي علينا البحث عن أسباب ما وصلنا إليه كمجتمع، وما هي الطريق التي علينا سلوكها للخروج من أزمتنا.
يبدو لي أن أننا اليوم ندفع كلفاً عالية جداً لإهمالنا التعليم وقلة احترام المعرفة، فتعليمنا جاف لا يرفد الحياة، فلا نرى في تعليمنا ما يوسع مدارك طلبتنا، ويعلمهم السؤال أو الاحتفال بالحياة، فمناهجنا جافة ومعلمونا بغالبيتهم يتعاملون مع مهنتهم ورسالتهم كأنها وظيفة محددة.
وفي إطار هجومنا على الدولة وعدم تحميل ذاتنا الفردية والجمعية أية مسؤولية فإن الجواب الجاهز هو أن المعلم يتحصل على راتب ضئيل لا يكفيه قوت يومه، وبالتالي فهو غير جاهز لبذل الكثير أثناء عمله.
حين ننظر للصورة الكبرى نرى أن طلبتنا لا يحصلون على حصص دراسية تتعلق بالمنطق والفلسفة والدراما والموسيقى والرياضة، وأن مناهجنا ما زالت على المستوى الأدبي تعاني كثيراً من حالة التجهيل، بمعنى أن طلبتنا على مقاعد الدراسة لا يقرؤون لأدونيس وأنسي الحاج وقاسم حداد، ولا يتعرفون على أنواع المسرح المختلفة، ولا يسمعون موسيقى متنوعة تغني أسماعهم وتفتح أذهانهم، ولا يلعبون الرياضة بصورة منتظمة ومدروسة بحيث يرفدون منتخباتنا العمرية بمواهب ليتم صقلها وزجها في منافسات عالمية.
اليوم مجتمعنا مهترئ لأنه يقاوم أي تغيير حقيقي، فلنا أن نتصور الجدل الاجتماعي لو تم افتتاح دار للسينما في بعض المحافظات، أو تشكيل فرقة مسرحية أو موسيقية مختلطة مدعومة من إحدى البلديات، أو تم محاولة عرض منتظمة لحفلات موسيقية ومسرحية في بعض المدن.
الانفتاح الثقافي والمعرفي هو ما يقود المجتمعات للتطور، فنحن حتى اليوم مجتمع غير قادر على إفراز حالات جماعية مستدامة كأحزاب وفرق فنية وفرق رياضة ومنتخبات، نحن شعب فرداني ويميل للكسل، ويحترم السلوك الباطني.
ففي الوقت الذي نهاجم فيه الفساد نحن ندرك أننا جزء من منظومته ومستفيدون منه، لذا تتمحور مطالباتنا حول أشخاص وليس حول المنظومة نفسها، وفي الوقت الذي نرى فيه شخصاً ما فاسداً فإننا نجيز ذات الفعل إذا قمنا به أو قام به أحد أقربائنا.
نحن منظومة مجتمعية تحتفل بالعبث والموت والاهتراء الذي لا يمكن أن ينتج إصلاحاً أو أن يتحالف مع إصلاحيين، ورغم تكرار لفظ الإصلاح على ألسنتنا إلا أننا حتى اليوم غير قادرين على تحديد مفهومه وتحديده والسير على طريقه.
 
حين يصيب العطب الآلة لا تتوقع منتجات صالحة، والعطب والاهتراء أصاب المجتمع، وهو الآلة التي تفرز كل الحالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرياضية، وبالتالي لنا أن نتوقع العطب الذي ستحفل به كل القطاعات على حد سواء.