Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Feb-2017

اتباع النبي علامة محبة الله عز وجل (2) - أسامة شحادة
 
 
الغد- في مقالة الأسبوع الماضي، بيّنا أن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو السبيل لنيل مرضاة الله عز وجل: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (آل عمران، الآية 31)؛ وأن الطاعة واتباع الرسل والوحي الذي جاؤوا به هو الغاية في تاريخ البشرية، قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ..." (النساء، الآية 64). وقد بيّنا في الجزء الأول أهم ما يجب متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، في جانب العقيدة والإيمان والأفكار والمفاهيم. وفي هذه المقالة، نبين معالم الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم في جانب العبادات والشعائر والمعاملات.
اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات
أمر الله عز وجل في كتابه بالطاعة والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل الجوانب والمجالات، قال تعالى: "مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" (النساء، الآية 80). ومن هذه الطاعة العامة الواجبة للنبي صلى الله عليه وسلم، طاعته في أداء العبادات. ولذلك نجده صلى الله عليه وسلم يحث ويأمر أصحابه أن يقتدوا به في تأدية العبادات، ويدقق عليهم. ومن أمثلة ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه" (رواه البخاري). ومعنى قوله "نحو وضوئي"، أي مثل وضوئي، ما يلزم المسلم الصادق الحرص على تعلم طريقة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لينال هذا الأجر، وينال محبة الله عز وجل.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "صلّوا كما رأيتموني أصلي" (رواه البخاري). فعلى كل مسلم ومسلمة يريدان محبة الله عز وجل أن يصليا لله عز وجل على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، التي نقلها لنا الصحابة في كتب السُنّة. وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحجّ بعد حجتي هذه" (رواه مسلم)، أي مناسك الحج. وقوله  صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" (رواه مسلم)، وذلك في عقوبة الزنا.
وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب: "إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوّضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت. واجعلهن من آخر كلامك فإن متّ من ليلتك متّ وأنت على الفطرة". قال البراء: فرددتهن لأستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت. قال صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بنبيّك الذي أرسلت" (رواه مسلم). ولاحظ دقة النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يقبل من البراء تبديل كلمة "نبيك" بـ"رسولك" في الدعاء.
فهذه الأحاديث وغيرها تأمرنا بالحرص على تبيّن سنته صلى الله عليه وسلم، واتباعها والتزامها، حتى تقع عباداتنا على صورتها الأتم والأكمل.
إن الحرص على الدقة في أداء العبادات يجب أن يكون في منزلة أعلى مما يحرص عليه الناس من أمور معاشهم ودنياهم. إذ تجد المعلمين يحرصون على دقة انضباط طلبتهم في أداء النشيد المدرسي أو التمارين الرياضية، وتجد مدربي الرياضات الاستعراضية يحرصون على أقصى درجات الدقة في أداء الاستعراضات، وكذلك الحال في الاستعراضات العسكرية، ولا يقول أحد إن هذه دقة لا داعي لها، فلماذا إذاً نهمل الدقة في أداء العبادات بخلاف طريقة الحبيب المصطفى؟ وأين هذا الحب للمصطفى؟ وأين الحب والتعظيم لله عز وجل ونحن نقصّر أو نهمل أداء الطاعات بشكلها الأصح؟
ولذلك، بيّن العلماء أن العبادة والطاعة لله عز وجل لا تقبل إلا إذا توفر فيها ركنان:
الأول: الإخلاص لله عز وجل. فالله عز وجل لا يقبل عبادة تم إشراك سواه فيها؛ سواء كان من الصالحين والأولياء أو كان من الجماد والأموات والأشرار، قال تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء..." (البينة، الآية 5). وقال أيضاً: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء..." (النساء، الآية 116). وفي الحديث القدسي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أَشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (رواه مسلم).
الثاني: المتابعة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في أداء العبادة. والسبيل إلى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات والشعائر والمعاملات هو تعلمها بشكل صحيح، وعدم الاكتفاء بالمعرفة السطحية لها والتي قد تكون تناقصت مع الزمن أو تعرضت للنقص والزيادة!
وقد لخص لنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله، ضوابط كمال الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم في ستة أمور:
1 - السبب: إذ لا بد أن يكون سبب عبادة المسلم موافقاً لسُنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يجوز أن نقوم بعبادة لله عز وجل بسببٍ لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم أو يدلنا عليه. من ذلك مثلا، تخصيص ليلة المعراج بصلاة القيام لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعد حادثة الإسراء والمعراج على الأقل إحدى عشرة سنة، ولم يخص تلك الليلة بقيام، بينما كان يقوم العشر الأواخر من رمضان ويحث على فعل ذلك.
فإذاً لا يجوز أن نخصص من عند أنفسنا أسبابا للعبادة لم يخصصها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعدم التقيد بذلك يدخل المسلم والمسلمة في دوامة البدعة المذمومة.
2 - الجنس: أي أن يكون جنس الفعل من العبادات التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم. فلا يجوز، مثلا، أن نغير نوع الأضحية فنضحى بفرس أو طاووس.
3 - القدر أو المقدار: إذ هناك عبادات مقيدة بمقدار محدد كالصلاة، فلا يجوز أن نزيد عدد ركعات صلاة المغرب مثلا على ثلاث ركعات. كما لا يجوز أن نوصي من التركة بأكثر من الثلث. فيجب أن نلتزم طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في المقدار المحدد والمبيّن. أما ما شرع لنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الزيادة في التطوع، كصلاة النافلة أو الذكر أو الصدقة، فجائز.
4 - الكيفية: فلا يجوز لمسلم أو مسلمة تغيير كيفية أداء العبادات التي علّمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم، كتبديل ترتيب صفة الصلاة، بأن يسجد الشخص قبل الركوع مثلاً.
5 - الزمان: فهناك عبادات جعل الله عز وجل لها مواعيد ثابتة بيّنها لنا النبي صلى الله عليه وسلم. إذ لا يجوز أن نصوم في شهر آخر غير شهر رمضان، ولا يجوز أن نغير موعد الحج. وهكذا مواعيد الصلاة. فيجب أن نلتزم الزمان الذي حدّده الله عز وجل وبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم.
6 - المكان: بعض العبادات له أماكن مخصوصة تقام فيها، كالحج إذ هو في مكة حول الكعبة، والاعتكاف إذ لا يجوز أن يكون في مصلى البيت مثلاً.
ختاماً، فإن المسلم والمسلمة الحريصين على نيل محبة الله عز وجل يكونان حريصين على أن يخلصا عباداتهما لله عز وجل، ولا يشركا في عبادته وطاعته أحدا مع الله عز وجل، ويتعلما ويعملا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء العبادات. وهذا هو المقياس الحقيقي لمحبة الله عز وجل واتّباع النبي صلى الله عليه وسلم في حياة المسلمين.