Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Jul-2017

عن الأقصى والأردن مرة أخرى - رومان حداد
 
الراي - ما تقوم به إسرائيل من اعتداء على المسجد الأقصى وعلى شخصيات لها دلالاتها الدينية والسياسية والاستمرار بالنهج التصعيدي دون توقف يثير مجموعة من الأسئلة المقلقة حول قراءة إسرائيل للواقعين الفلسطيني والعربي، ومدى مقاربة هذه القراءة للواقع الحقيقي.
 
ففيما يتعلق بالمشهد الفلسطيني اليوم يبدو أننا أمام أجساد فلسطينية لا جسداً فلسطينياً واحداً، فما تقوم به سلطات الاحتلال في القدس وفي المسجد الأقصى لا يولد حالات غضب شعبية تدفع الناس إلى الشوارع لمقارعة الاحتلال في الضفة أو في غزة، رغم ما يبدو من تعاطف إنساني لا أكثر من قبل الضفاويين والغزيين، وأما المكون الفلسطيني في داخل الخط الأخضر، أي مناطق 1948، فإنهم لا يتفاعلون بصورة ملحوظة للعيان مع القضية، ليبدو وكأن الأقصى لا يعنيهم.
 
أبرز ما في المشهد الفلسطيني هو غياب القيادات الشعبية القادرة على تحريك الشارع الفلسطيني في الضفة وغزة والداخل، وغياب الشخصية الفلسطينية المؤثرة على الشارع يعني أن الصراعات الداخلية الفلسطينية الفلسطينية قد قضت على إمكانية ظهور شخصية وطنية فلسطينية جامعة، قادرة على تحريك الشارع الفلسطيني في الملمات الكبرى.
 
كما أن الصراعات الداخلية جعلت المعادلات السياسية أكثر تعقيداً فكل فصيل يفكر بمصالحه المباشرة، وكل ما يتعارض مع هذه المصالح يبتعد عنه ولا يتفاعل معه، وهو ما رأيناه واضحاً للعيان في أزمة الأقصى الأخيرة، ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قرأ المشهد الفلسطيني جيداً وأدرك أن ما سيفعله لن يقود إلى انتفاضة جديدة، أو تحرك فلسطيني على مختلف المحاور بصورة تقلق صانع القرار الإسرائيلي، وهي تجربة أولى قبل أن يتقدم بخطوات أوسع لتنفيذ مشروعه التوسعي الاستيطاني.
 
ورغم أن القائد السابق للشرطة الإسرائيلية في منطقة القدس آريه عاميت يرى أن نتنياهو قد صعد إلى أعلى الشجرة، ويجب إزالة البوابات الإلكترونية من على مداخل الحرم القدسي الشريف قبل يوم الجمعة خوفاً من تفجر الوضع، ومعتبراً أن صلاة الجمعة القادمة تشكل اختباراً كبيراً، إلا أن المعطيات اليوم تشير إلى إمكانية وجود اشتباكات محدودة لا يمكن أن تتطور إلى اشتباك موسع ولفترة طويلة، حيث لا توجد قوى سياسية فلسطينية قادرة اليوم على خوض معركة طويلة في الشارع.
 
تشظي المشهد الفلسطيني ليس هو العامل الوحيد لجرأة نتنياهو الأخيرة على المسجد الأقصى، أو جرأته القادمة حين سيفتح باحات المسجد الأقصى محجاً لنواب ووزراء يهود، فالمشهد العربي المتهالك هو أيضاً ما أسال لعاب نتنياهو على الأقصى، وجعله (يشرب حليب سباع) ويغير الوضع القائم في المسجد الأقصى، هذا المشهد العربي المتهالك لا يعني فقط مشاهد الحروب وسقوط الدول والأنظمة، ولكن يضم في الحقيقة مشهداً أكثر أهمية من ذلك، وهو وجود دول عربية تهرول للتطبيع مع إسرائيل.
 
سيقول كثيرون كيف لي في الأردن أن أتكلم ضد تقارب عربي مع إسرائيل ونحن قد وقعنا اتفاقية وادي عربة عام 1994، ولهؤلاء أقول إننا وقعنا الاتفاقية ولكننا حتى اليوم وبعد مرور 23 عاما لم نطبع بعد، كما أن الظرف التاريخي الذي أجبر الأردن على التوقيع لا يجوز نسيانه، فالأشقاء الفلسطنيون كانوا قد فاجأوا الجميع بما فيهم الأردن وبعض قياداتهم السياسية بالتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق سري في أوسلو قبل أن يعترف به بالعلن في حديقة البيت الأبيض عام 1993.
 
وكان الأشقاء السوريون قد قطعوا شوطاً كبيراً في المفاوضات، والتي يمكن تسميتها بمفاوضات الكاسيت، وهم من وضعوا قانوناً غريباً للمفاوضات على لسان وزير خارجيتهم في ذلك الوقت فاروق الشرع حين رفض تنسيق المسارات العربية التفاوضية مع إسرائيل، وقالها في عمان (كل واحد يقلّع شوكه بإيده)، وهم من كانوا قد توصلوا إلى ما أسموه لاحقاً بـ(وديعة رابين) وكان الاختلاف على بضعة أمتار داخل أو خارج بحيرة طبرية.
 
حينما أرقب منطقتنا تدخل التهلكة عبر بوابة الصراعات الطائفية والمذهبية أدرك أن هذه الصراعات تأتي ضمن رؤية صراع الحضارات والتوجه السياسي للقوى المهيمنة على العالم، فالصراع المذهبي يحمل في طياته جذور الصراعات التاريخية المذهبية والقبلية والجهوية، التي تتخذ من السياسة واجهة علنية لها، وفي هذه الحالة ليس من الضروري أن تلجأ الدول الاستعمارية إلى اختراع التناقضات بل يكفي أن تغذيها وتدفعها في اتجاه الصدام ومنع التعايش لكي تستطيع قطف ثمار التفرقة بين أبناء الشعب الواحد أو الإقليم الواحد.
 
حين أرقب هذا المشهد المؤلم أدرك عظم الدور الأردني الهاشمي، كما يمكن لأي أحد أن يرى أن الأردن لا يبحث عن موقع أو دور لا يستحقه، فدماء جنود الجيش العربي هي التي سالت في (باب الواد) و(اللطرون)، ودماء عبد الله المؤسس روت الأرض المقدسة، وتراب القدس يحضن الشريف الحسين بن علي، وقبل ذلك كله فالقدس أولى القبلتين ومن أرضها عرج جد الملوك الهاشميين الرسول محمد عليه السلام إلى سدرة المنتهى.
 
ومع استمرار إسرائيل بمحاولاتها فرض حقائق جديدة على الأرض للوصول إلى يهودية الدولة، يبرز الأردن كالدولة الوحيدة القادرة على الصمود في وجه هذا المخطط، والقادرة على تقديم تصور مختلف لمستقبل المنطقة، كما استطاع جلالة الملك عبد الله الثاني إبقاء القضية الفلسطينية حية في خطابه الداخلي والخارجي، معتبراً إياها (أسّ) المشاكل التي تحدث في المنطقة.
 
هذه الحقائق وغيرها تقلق الإسرائيليين الذين يرون قدرة الأردن على دحض المشروع الإسرائيلي عبر تقديمه رؤية متوازنة وحقوقية للقضية الفلسطينية، ومدى قدرته على أن يلعب دوراً مؤثراً للوصول للحقوق الفلسطينية على طاولة المفاوضات، وهو ما يسبب الصداع للساسة والعسكريين الإسرائيليين، ويجعلهم يتخبطون ويلوحون بتهديدات نأمل بأن يكونوا غير قادرين على تنفيذها، وألا تسمح حالة الترهل العربي بتمريرها.