Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Jun-2019

تداخل المدارس الفنية في أعمال الفلسطيني محمد عبد الله الكرنز

 القدس العربي-محمد البندوري

يطرح التشكيلي الفلسطيني محمد عبد الله الكرنز البعد الجمالي في صيغ متعددة، ويتفاعل مع المعطيات التشكيلية الحديثة بنوع من التداخل، برصيد معرفي تشكيلي ينبثق جله من مجاله الواقعي والتعبيري والسيريالي والانطباعي، وهو تداخل ينم عن تنوع ثقافة المبدع الفنية، وعن بحثه عن الصيغة الملائمة وأسلوبه الخاص. فمعظم الرؤى الفكرية التي تمتح مقوماتها من النسيج الثقافي المحلي، تتغذى من هذا التنوع الفني. فللواقع بعد حقيقي في تراسيمه التشكيلية، وهو يوظف تجربته في الفن الواقعي بتحويل أبجدية الأشياء بحسية وأسلوب تعبيري متنوع المضامين، ويتخذ من الشخوصات والطبيعة والأبنية مضامين واقعية، ويجعل من فن الفيكيراتيف أحيانا ملمحا سيرياليا، ومن التجريد حينا آخر أداة تتحكم في الفضاء عبر مكونات لونية دقيقة، وعبر أشكال تمثل مواد أيقونية للتعبير عن خلجات الفنان وشعوره بإلهام فني تتعدد فيه الأبعاد. وهو يلجأ في أحايين أخرى إلى فن الخط العربي لنسج علاقة مع التراث الحضاري العربي الإسلامي، وبذلك تكتمل صورة التنوع الفني في أعماله، وهي صورة وإن دلت على تعدد ثقافة المبدع ومواهبه إلا أنها تحرمه من أسلوب خاص متجدد يروم العصرنة في بعدها الفني والجمالي.
 
 
فالفنان الكرنز يسخر لهذا التنوع رصيدا من الأشكال والألوان والتقنيات الحديثة العالية، وعددا من الأدوات للتعبير وفق صور فنية متعددة المرامي والاتجاهات.
وهو ما يكلفه جهدا كبـــــيرا لحــــل مشـــكل التداخل، وليضع فارقية بين التمثلات الفنــــية، ولكن تجـــربة المبدع وحنكته ومراسه تؤهــله إلى اقتحـــام هذا التعدد، ونهج خطى الفن التشكيلي الحديث، الذي يتميز بالمقومات الجمالية المتنوعة، خصوصا على مستوى الاستعمالات المضامينية والجهاز المفاهيمي بكل عناصره.
وعلى الرغم من بعض الاختلالات التي تتبدى في شكل أعماله نتيجة الأخذ بزمام التعددية الفنية، وعدم الإرساء على مسلك واحد وأسلوب متخصص؛ غير أن المادة التشكيلية لديه في سياقها الفني تتسم بقوة العلاقات التحاورية، وببسط أنماط تعبيرية مغايرة للجاهز، يتم توظيفها وفق أبعاد جمالية وقيم فنية، بطرائق فنية تعددية، يتغيا من خلالها مفاهيم ذات مغاز عميقة، ودلالات تستهدف البعد البصري للقارئ. فتعددية الأعمال تنتج لديه نوعا من السيولة التعبيرية التي تضمر أبعادا فلسفية وقيمية، تتجانس مع هياكل أعماله وتصوراته.
 
أعمال محمد عبد الله الكرنز تتسم بجماليات محلية، وبفنيات ذات شمولية، وبلغات شكلية تَنتج عن الضربات اللونية بتعدد عناصرها.
 
إن لجوء التشكيلي الكرنز إلى هذه التعددية المسلكية، وهذا التنوع الفني – وإن كان ذلك بحس فني بديع ـ هو لبسط التحولات المرتبطة بالظواهر الاجتماعية، والثقافية والنفسية، ما ينتهي به إلى إدراك الحقائق التي يتوخاها، من خلال العملية الإبداعية براحة تامة. لذلك تتبدى أعماله متسمة بالخطابات المباشرة المحتوية لخزان من المعاني، وبالجــــدية والإيجــــابية، ما يجعل القارئ في تفاعل مستمر معها، خاصة أنها تستمد كينونتها ووجـــودها من نبع متعدد المناحي، والتصورات والرؤى، وترسي لقاعدة العمل الفني المبنية على التنوع والتعدد بأسس من الجماليات التشكيلية. وإن لجوء الفنان لهذا النهج يحيل على جملة من معارفه وفلسفته في المجال وانتهاله من كل المدارس الفنية.
إن أعمال محمد عبد الله الكرنز تتسم بجماليات محلية، وبفنيات ذات شمولية، وبلغات شكلية تَنتج عن الضربات اللونية بتعدد عناصرها، وبتعدد الألوان التي توحي بمعاني متعددة في سياق واقعي أحيانا وسيريالي وتجريدي وحروفي في أحايين أخرى، وهو نهج إبداعي تترابط فيه أعماله على نحو جمالي، يرصد الواقع بخلفيات فنية ودلالية، محملة بالإيحاءات والمغازي والدلالات التي تعزز الوجود الواقعي وغيره من الاتجاهات الفنية، وترقى بالمادة التشكيلية إلى مستوى يباشر العين والإحساس. إنها تجربة مليئة بالعطاء في سعي جاد للمزيد من التطور.
 
٭ كاتب مغربي