Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Apr-2019

التعصب الديني والاجتماعي إذ يتحول إلى فساد* إبراهيم غرايبة

 الغد-المتعصب الذي يؤشر إليه بالعاجز عن رؤية احتمال الخطأ لدى الذات والمعقولية والصواب لدى الآخر يختلف عن المنتمي سياسيا وفكريا الى تيار ديني أو فلسفي أو سياسي، بمعنى أن المتعصب الإسلامي ليس بالضرورة هو كل إسلامي، والمتعصب اليساري ليس بالضرورة هو كل يساري، وكذا المحافظ والقومي والليبرالي، ولكن المتعصب هو كل من ينتمي إلى فكرة انتماء يجعله يرفض أو يعجز عن إدراك احتمال خطئها أو صواب الفــكرة الأخرى بغـض الـظر عن الاتجاه أو الفكرة أو الفلسفة التي ينتمي إليها؛ سواء كانت دينية أو وطنية أو قومية أو سياسية أو فلسفية…

تبدأ الأيديولوجيات العاملة فكرة نبيلة تحررية أو إصلاحية، وفي لحظة انكسارها وفشلها قد تنحسر أو تراجع نفسها وتغير من أفكارها واتجاهاتها، ولكنها في عالم العرب أنشأت حالة مَرَضِيّة مخيفة. فقد تشكلت جماعات وفئات من الأيديولوجيين المنتمين إلى تيار أو فكرة يتوقف إحساسهم بالزمن وإدراكهم للعالم والأفكار عند تلك اللحظة.
والحال أن أكثر من يسيء إلى فكرة أو تيار ويعمل ضدها هم الأيديولوجيون المنتمون إليها، ولكنهم يسوقون أنفسهم ومؤيديهم ومجتمعاتهم إلى سلسلة من الشرور والأزمات، تبدأ بالعجز عن إدراك الواقع المحيط وعمق الأحداث الجارية في العالم وما يصاحبها من تحولات اقتصادية اجتماعية ثقافية، فيتوقف الإدراك ومن ثم التحليل والفهم والتقييم وفق المعطيات التي تشكلت في مرحلة الانتشار والتأثير، ثم الاعتقاد بأنه لا مجال للإصلاح أو العمل إلا بالعودة الى ما قبل لحظة الانكسار.
وينشئ التعصب في تفاعله مع الهزيمة والفشل الكراهية والحقد اللذين يشكلان المواقف والاتجاهات والأفكار والسلوك، فيكون الآخر شراً يجب التخلص منه، ويعجز المتعصبون عن إدراك شيء مشترك مع “الآخر”، ويكون لسان حالهم كما تصفهم كاثلين تايلور: “الذين نصفهم بأنهم ضعفاء، خونة، أنانيون، مقززون يصبحون “آخرين” ويشكلون تهديداً إذا تحدوا هذه الأنماط بأن يكونوا عكس ذلك: أقوياء، جديرين بالثقة، عطوفين، لديهم مشاعر دافئة، يهتمون بالغير”. وتنشئ القضية التي يتجمع حولها المتعصبون شأن كل القضايا التاريخية أسطورة المؤامرة الشريرة التي تحرك الناس بأعداد كبيرة لارتكاب الانتهاكات وتبرير التخلي عن القوانين والأخلاق وارتكاب أعمال وحشية.
وفي الصراع الممزوج بالكراهية لا يعود اعتبار للمبادئ العامة والقيم والقوانين السائدة، إلا عندما تكون في مصلحة الأيديولوجيا والأشخاص المنتمين إليها، فلا تعود الدكتاتورية والاستبداد شراً إذا كانت حليفة لهم أو تعمل ضد خصومهم، ولا تكون الحرية قيمة عليا ملهمة ومقدسة الا إذا كانت حريتهم.
ثم وفي مرحلة من متواليات التعصب تتشكل مصالح وعلاقات ومكاسب تقوم على التعصب، ويأخذ الفساد اسماً حركياً جديداً هو الأيديولوجيا التي ينتمي إليها الظالمون والفاسدون والفاشلون، ويصبح الدفاع عن الفساد والفشل دفاعا عن الأيديولوجيا وعن الذات والهوية، وتنشأ أجيال جديدة في ظل واقع الفساد الذي تحسبه إصلاحاً فلا ترى الإصلاح سوى مكاسب شللية وفئوية مغلقة ومحتكرة، ولا تؤمن بالحرية إلا لفئتها، ولا ترى الآخر بمن هو ليس من الفئة المغلقة جديراً بحق أو حرية أو مكسب سوى صدقات مليئة بالمنّ والأذى.
وبمرور الزمن وتعاقب الأجيال، تنشأ تراتيب اقتصادية واجتماعية عن التعصب بما هو غطاء الفساد والفشل، ما يتحول إلى منظومات وتشريعات ومؤسسات وشبكة معقدة من العلاقات والمصاهرات والمصالح والشراكات والأفكار والاتجاهات والمعتقدات والاشاعات التي لم يعد أصحابها يدركون روايتها الحقيقية المنشأة.
وأخيراً يتحول هذا الوضع الشاذ والمتماسك والصلب إلى خلل نفسي وعقلي، ويكون هذا الخلل والوضع الشاذ قيماً وثقافات مكرّسة تدافع عنها وتبررها وتنظر لها مؤسسات اقتصادية وإعلامية وفكرية وتعليمية وأكاديمية، فيكون الشر أصلاً والخير خروجاً على الأصل وحالة تدعو إلى السخرية والنبذ.