Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Nov-2016

أطفال سوريون: اللجوء يلقي بهم في أتون مهن خطرة واستغلال أصحاب عمل

 

محمد الكيالي
عمان -الغد-  بوجه طفولي شاحب، وعينين ذابلتين، يلملم السوري خالد (اسم مستعار)، ويبلغ من العمر 11 ربيعا؛ أكياسا تمتلئ بعظام خراف، ليعود بها إلى منزل عائلته، التي تقطن حيا من أحياء عمان الشرقية الفقيرة.
يهم خالد بالمغادرة من ملحمة؛ موقعها في شرق العاصمة عند السابعة مساء، عائدا لمنزله، وكأنه رجل أربعيني خاض معترك الحياة القاسية، حاملا الى جانب كيس العظام، عبء همومه وحسراته.
"أعمل يومين في الأسبوع، وأكسب القليل من المال، أساعد به أسرتي، فوالدي يعمل بأجر متواضع، بالكاد يكفي قوت عائلتي المكونة من 6 أفراد"، يقول خالد لـ"الغد".
بدأت قصة معاناة خالد، الذي ينحدر من حي فقير بمدينة درعا، مع بداية الحرب السورية، وجاء هروبه من مدينته بعد قصف دموي تعرض له الحي، الذي يقطن في احد مساكنه مع عائلته، ليعيش حياة اللجوء الموجعة، فبعد ان كان يعود لمنزله أثناء عيشه في درعا، بعد دوامه المدرسي، ليستعد لليوم التالي، بات الآن، يعود من مدرسته، ليهرع الى الملحمة، كي ينظفها بمواد كيماوية، تنهش برائحتها صدره الغض، ويجلب من عظامها ما يقي عائلته الجوع.
عمل خالد في الملحمة، لم يقتصر على التنظيف حسب، فقد ألقى على كاهله صاحب الملحمة؛ مهمة أخرى صعبة، وهي لملمة بقايا اللحم والعظام وأحشاء الحيوانات المذبوحة، وتعبئتها في أكياس بلاستيكية، ينحني ظهره من ثقلها حين يجرها أو يرفعها، ليضعها في حاوية القمامة. كل هذه الأعمال الشاقة، يتقاضى مقابلها 4 دنانير فقط.
قصة خالد، تشبهها قصص لأطفال سوريين عديدين، يقطنون في عمان الشرقية أو في المحافظات، ويتعرضون للقسوة في اعمال لا تليق بطفولتهم، واحيانا تكون خطرة، جراء استغلال اصحاب العمل لهم، وبأجور هزيلة.
وفي القصص نفسها، ثمة من اصحاب العمل من يغلف تشغيله لهم بحجج انسانية، ولكنها تضيع وسط حالة الاستغلال المريع لهؤلاء الاطفال في أعمال شاقة، وبأجور غير لائقة، وفق أحاديثهم لـ"الغد".
يكشف مسح لمركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، نفذ بالتعاون مع وزارة العمل ودائرة الإحصاءات العامة، ومنظمة العمل الدولية ضمن مشروعها "نحو أردن خال من عمل الأطفال"، وبتمويل من وزارة العمل الأميركية، أن معظم الأطفال العاملين في الأردن، يقضون أكثر من 33 ساعة أسبوعيا في المتوسط. في نطاق العمل.
تثير قصة عبير (اسم مستعار) وهي لاجئة سورية، الكثير من التساؤلات المريرة حول عمالة الاطفال، فابنة الـ12 ربيعا، تعمل في ناد ليلي بعمان الغربية، وفق توثيق للأجهزة الأمنية؛ ومنذ الساعة 11.00 ليلا وحتى 7.00 صباحا، تقدم وصلات راقصة، تتقاضى عنها 40 دينارا يوميا، أي بمعدل 1200 دينار شهريا.
حين قبض على عبير؛ أخبرت رجال الامن أثناء التحقيق: "لم أتعرض لأي اعتداء جنسي؛ أو للإجبار على العمل، لكنني أحب أن أرقص والحصول على النقود"، بيد ان مثل هذا الانتهاك لطفولتها يأتي من باب استغلال عائلتها لها، وسطوتهم عليها، وفقدانها لأهليتها أمام اتخاذ قرار الرفض أو القبول.
في العام الماضي، قبضت الجهات الأمنية على مرتكبي جرائم اتجار بهؤلاء الصغار؛ بتهم تخالف قانوني الاتجار بالبشر ووزارة العمل، وبالاستناد لقانون تشغيل أحداث في المهن الخطرة التي يحظر فيها تشغيلهم، بناء على قرار الوزارة الخاص بالأعمال الخطرة، أو المرهقة والمضرة بصحتهم للعام 2011. 
ترد أسباب عمل الأطفال في مهن خطرة بالأردن، إلى تدني مستويات المعيشة، وانتشار الفقر، ما يدفع بأسر عديدة، لإبعاد أبنائهم عن مقاعد الدراسة، وإلحاقهم بأية أعمال تجلب دخلا ماليا يعين عائلاتهم، وإن كان قليلا، وفق مدير عام المرصد العمالي الأردني أحمد عوض.
عوض يرى أن"جهودا رسمية وغير رسمية، استهدفت ظاهرة عمالة الأطفال، لكنها لم تتوجه للأسباب الرئيسة التي تقودهم للعمل"، موضحا "ومع تدفق اللاجئين السوريين، تفاقم الوضع على نحو أكبر، إذ أن غالبية الأطفال اللاجئين، جاءوا من أحياء فقيرة ومناطق ريفية في سورية، لا تولي التعليم في الاساس أي أهمية".
ووفق "ورقة تقدير موقف"؛ استندت على دراسة مسحية أجرتها منظمة العمل الدولية، كشف عنها المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، ويصادف الثاني عشر من حزيران (يونيو) كل عام، فإن أعداد الأطفال العاملين في الأردن وصل الى نحو 100 الف، 50% منهم سوريون تقريبا.
"يا عبدو.. غيّر عجل السيارة المبنشر؛ مفهوم، وبعدها بتغير زيتها"؛ بهذه الكلمات، صرخ صاحب ورشة تصليح سيارات في احدى مناطق عمان الغربية على فتى سوري، لم يتجاوز الـ13 من العمر. 
لم يلبث عبدو أن انطلق كـ"المكوك" لينفذ أمر معلمه، غير مكترث بثقل معدات المهمة، فرفع السيارة وغير عجلاتها بسرعة، كل ذلك، مقابل 3 دنانير، اضحت هي كل ما يحلم به بعد أن ترك دراسته، ليضع هذا الأجر الزهيد بيد والدته الأرملة، لتسد جوع إخوته الخمسة، بينهم شقيقه الأكبر (15 عاما)، ويعمل ايضا على نحو غير منتظم في البناء.
المسح الأخير الذي ظهرت نتائجه في آب (أغسطس) الماضي، كشف أن" معدل الذهاب إلى المدرسة هو الأدنى في صفوف الأطفال اللاجئين السوريين"، بالاضافة إلى كشفه أن هؤلاء الأطفال "يتقاضون أجورا أدنى مما يتقاضاه الأطفال الأردنيون، ما يدل على سهولة تعرضهم للاستغلال".  وبين المسح "أن نسبة العمال إلى السكان؛ هي الأعلى بين الأطفال السوريين، إذ وصلت الى نحو 3.22%، يليها أطفال من جنسيات أخرى بنسبة 1.98% وأردنيون بنسبة 1.75%".
الناشط الأردني في مجال حقوق الإنسان رياض صبح، يعتبر أن "الأطفال السوريين العاملين في الأردن، تنطبق عليهم الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان والتشريعات وقانون العمل"، وجميعها "تمنع تشغيل الأطفال؛ إلا بعد عمر 16 عاما".
وينطبق القانون الأردني على اللاجئين السوريين وفق صبح، الذي اعتبر أن "مراقبة ومتابعة من يعملون في أعمال متعددة واستغلالهم من بعض أصحاب العمل، ما تزال  منقوصة"، مشددا على أهمية تفعيل المراقبة، مشيرا الى ان "الكوادر الرقابية بوزارة العمل، محدودة وغير كافية لمتابعة اصحاب العمل وضبط المخالفين وتفعيل العقوبات بحقهم".