Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Aug-2019

ما هو أبعد من الرغبة بالهجرة* ماجد توبة

 الغد-باستثناء تصدّر الأردن بمستوى ثقة مواطنيه بتوفر الأمن والسلامة الشخصية لهم ولأسرهم (91 %) مقارنة بالدول العربية، عكس استطلاع مقياس الديمقراطية العربي 2018 – 2019، الذي أعلنه مركز الدراسات الاستراتيجية الثلاثاء، حالة إحباط شعبية عامة طالت الوضع الاقتصادي والمعيشي والموقف تجاه السياسات الرسمية والعامة، فيما لخص ارتفاع نسبة من فكروا بالهجرة الى (45 %) الشعور العام والتشاؤم من تحسن الوضع العام.

لا أعتقد أن أحدا قد فوجئ بنتائج الاستطلاع لناحية توفر الانطباع العام أصلا بسيادة هذا الشعور العام المحبط والمتشائم من تحسن الأوضاع العامة، وهو انطباع تؤكده إلى حد بعيد مداولات ومنشورات الأردنيين اليومية عبر مواقع التواصل وأحاديثهم الخاصة، ويمكن، طبعا، تقديم ألف سبب وتفسير لذلك، لكن البعد الرئيسي والمباشر لطغيان هذا الإحباط هو الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردّي للناس، وما يرافقه من تعمق للفقر والبطالة وغلاء معيشة.
وعلى خطورة هذا الإحباط العام والشكوى المحقّة من تردّي الأوضاع العامة والاقتصادية الحالية، فإن الأخطر والأكثر إثارة للقلق هو انسحاب الإحباط من الماضي والواقع الحالي إلى المستقبل ونظرة المواطنين لما هو قادم، حيث يطغى التشاؤم هنا أيضا، إذ يتوقع 45 % من المستطلعة آراؤهم أن الأوضاع الاقتصادية للسنوات القليلة المقبلة ستكون سيئة، وهي أعلى نسبة “تشاؤم” منذ العام 2007، حسب الاستطلاع.
قد تحاجج الحكومة بأن سياساتها وقراراتها لإنعاش الاقتصاد وتحسين الأوضاع المعيشية تحتاج لسنوات قليلة لتؤتي أكلها وتتمكن من تغيير المزاج الشعبي، وهي وجهة نظر جديرة بالمناقشة وقد تحمل بعض الصحة إن توفرت الإرادة الحقيقية والرؤية والإصرار على تحقيق إنجازات حقيقية، لكن المشكلة هنا أن البيئة الشعبية المحبطة والتي لا تثق نسبة كبيرة ووازنة منها بقدرة الحكومة على هذا الإنجاز في ظل تآكل رصيد الثقة الشعبية بها، لا تمكّن (أي هذه البيئة) من مراهنة الحكومة على عامل الوقت والصبر الجميل!
السؤال هنا؛ هل المشكلة والعقدة في واقع البيئة الشعبية المحبطة والفاقدة للثقة بالحكومات؟ أم هي في الحكومة ونهج عام؟ في هذا السياق، أعتقد أنه رغم العديد من القرارات والسياسات المتخبطة للحكومة الحالية والأداء القاصر عن قيادة المرحلة، فإن من الإنصاف القول أن ثمة قرارات وسياسات وتشريعات لهذه الحكومة مهمة وإيجابية وتعكس نوعا من الرؤية العامة للتغيير والاقتراب من المواطن، على الأقل إذا ما قورنت هذه الحكومة بآخر حكومتين، لكن ذلك لم يكن كافيا فهي في برامجها وسياساتها وأدواتها تبدو قاصرة عن امتلاك الرؤية والقدرة على مجاراة حجم التحديات والارتقاء لحجم طموحات المواطن الغارق بمعاناته المعيشية والفاقد للثقة بالمؤسسة العامة.
قد تكون هذه الحكومة بتقييمها العام مناسبة، أو قادرة على تقديم تجربة جيدة لو جاءت مثلا قبل عقد أو أكثر من الزمن، لكن تعاظم التحديات والتآكل الخطير من الرصيد الشعبي للحكومات وتراكم التداعيات السلبية للسياسات الحكومية الاقتصادية والعامة في العقود الثلاثة الاخيرة وانفجارها اليوم بأزمة قاسية معيشيا واجتماعيا، كل ذلك لا يحتمل حكومة عادية أو فريقا وزاريا اعتياديا يقودان مرحلة صعبة وخطيرة بأدوات وسياسات قديمة حتى لو حَسُنت النوايا والتوجهات، والوقت والمراهنة على الصبر والمزيد من التحمل ليسا خيارا متاحا بأريحية أمام الحكومة.
اتساع الرغبة بالهجرة والشعور بالإحباط وفقدان الأمل لدى نسبة مرتفعة من المواطنين ليس ترفا ولا نوعا من السوداوية “الجينيّة”، ولا هو “مازوشيّة” مرضية يتلذّذ فيها المريض بمعاناته، هي موقف سياسي سلبي يزداد تعمقا، وسلبي هنا بمعنى بقائه في دائرة الموقف الذي لم يصل إلى مرحلة ترجمته سلوكا سياسيا واجتماعيا على أرض الواقع، لكن رصده وتقدير خطورته وتحليله هو بداية معالجة الأزمة.