Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Oct-2018

ثقافة الهروب والبحث عن المشاجب* د. رحيل محمد غرايبة
الدستور -
 
تعرضت مجتمعاتنا العربية عبر التاريخ الحديث لموجات متتالية من الهزائم والانكسارات العديدة التي طالت معظم مجالات الحياة ومساراتها، مع وجود تفاوت وتباين كبير بينها من حيث الأثار والنتائج، ولكنها جميعاً تتعاضد في محاولة التأثير في إعادة بناء الإنسان العربي وإعادة صياغته، وهنا يجب الاعتراف والإقرار بحجم الضرر وفداحة الخسائر التي طالت بنية الإنسان العربي، ولامست وجودهُ التاريخي وهويته الحضارية وتكوينه الثقافي.
معظم شعوب الأرض تعرضت لحملات غزو خارجي ومحاولات استلاب حضاري، وعانت من ويلات الحروب والتدمير ولكنها استطاعت الافاقة من وسط الركام، واستأنفت معركة البناء والاعمار وتغلبت على عوامل الفناء، وعلى ما يبدو فأن معركة العرب لم تنته بعد، ولم تتوقف حملات العبث في منطقتنا حتى هذه اللحظة، ولم تبدأ لدينا مرحلة اليقظة ولم يبدأ مشوار النهوض والتقدم، لأن ذلك سوف يعيق المشروع الصهيوني الذي يجد العناية والرعاية من مراكز القوة العالمية وأقطاب الاستقطاب العالمي، ولعوامل أخرى كثيرة وعديدة تعود في مجملها إلى العجز الذاتي المستحكم في بنيتنا الداخلية المترهلة.
نحن نملك مقومات النهوض وعوامل التقدم بكل يقين، ولدينا من التجارب والمخزون القيمي ما يجعلنا قادرين على الافاقة وصناعة اليقظة واختصار الوقت، ولكن ذلك يحتاج إلى جهد جماعي واسع ومنظم قادر على تجاوز المرحلة السابقة وقادر على معرفة مواطن الخلل وقادر على تشخيص الأمراض وقادر على استشراق المستقبل، وهنا ترد ضرورة الاعتراف بالعجز الذاتي الكلي على صعيد الأنظمة الحاكمة وعلى صعيد الشعوب بكل تكويناتها السياسية والاجتماعية ويبدو أن الشعور بالعجز يؤدي إلى جملة من المظاهر السلبية والآثار الكارثية في حالة عدم القدرة على امتلاك أدوات النهوض.
عجز العرب شعوباً وأنظمة جعلهم يهربون إلى التطرف حيناً، أو إلى المشاكسات الداخلية التي تحولت إلى حروب أهلية، ومعارك تدمير الذات بدلاً من البحث عن مخرج للأزمة كما فعلت الشعوب الالمانية واليابانية بعد الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال، التي لم تهدراً مزيداً من الوقت في معالجة آثار الهزيمة والانطلاق نحو معركة البناء والنهضة.
يظهر لدينا مظهر آخر من مظاهر العجز والفشل يتمثل في البحث عن المشاجب التي يتم تحميلها مسؤولية الفشل والعجز المتراكم، فهناك من يجد ضالته في تبرير الهزيمة في الدين والمتدينين والقوى المنبثقة منها، وهناك من يذهب إلى المسارعة في اتهام العشائر والعشائرية والأسلوب العشائري في الحياة وأعرافها وعاداتها وتقاليدها، وهناك فئة أخرى على النقيض من ذلك فهي ترى أن سبب بلاء الأمة هو البعد عن الدين، والاسلام هو الحل، وربما يرى آخرون أن الفئة المتغربة التي تدعي الحداثة هم من أوردوا الأمة موارد الهلكة، وهناك مشاجب كثيرة ومهارب عديدة نلجأ اليها في تبرير فشلنا وعجزنا وهزيمتنا العميقة، ولكني أعتقد أنها جميعاً ليست هي المشكلة، وينبغي أن نعلم يقيناً أن أهم مشكلة لدينا تتمثل بعدم الاهتداء إلى ذلك الإطار الذي يجمعنا جميعاً بكل اختلافاتنا واتجاهاتنا ومذاهبنا وأفكارنا تحت بوصلة إعادة بناء الوطن من خلال القدرة على حشد الكفاءات والطاقات المخلصة المتخصصة المؤهلة لحمل المشروع النهضوي الوطني، بعيدا عن تبادل اطلاق الاتهامات، وبعيدا عن التبرير و اسلوب البحث عن المشاجب.