Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Sep-2017

إمارة «النصرة» في إدلب على طريق الزوال - حسن أبو هنية
 
الراي - منذ دخول الأزمة السورية دينامية جديدة بعد التدخل الروسي والاستدارة التركية التي أفضت إلى خسارة المعارضة السورية المسلحة مدينة حلب نهاية كانون اول 2016، تسارعت وتيرة خفض العنف مع تدشين اجتماعات أستانة برعاية روسية تركية إيرانية في كانون الثاني 2017 والتي شاركت فيها فصائل المعارضة الموصوفة بالاعتدال، حيث تم التوصل إلى تحديد مناطق خفض التصعيد وإقرار التزام جميع المشاركين بقصر المعارك على تنظيمي داعش والنصرة.
 
استثمرت النصرة حالة تشتت المعارضة السورية المسلحة واعتراض بعض الفصائل على ما حدث في حلب ثم أستانة وعملت على ضم عدة فصائل إلى صفوفها من خلال تأسيس «هيئة تحرير الشام»، وقامت في تموز 2017 بمهاجمة أحرار الشام وغيرها وتمكنت من السيطرة بسهولة على كامل الحدود السورية التركية، ووسعت من نطاق استقطابها وهيمنتها وسيطرتها على كافة حدود محافظة إدلب، فضلا عن تواجدها في مناطق أخرى.
 
كانت النصرة قد تنامت بعد الإعلان عن تأسيس «هيئة تحرير الشام» في 28 كانون الثاني 2017 بعد اندماج النصرة التي كانت قد بدلت إسمها إلى جبهة فتح الشام مع أربعة فصائل أخرى ضمن كيان الهيئة وهي: كتائب نور الدين زنكي، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنّة، ولواء الحق، وانضمّت مجموعات منشقّة عن أحرار الشام كمجموعة «مجاهدو أشداء»، والذي كان يقودها «أبو العبد أشداء»، وانشقّ بعض مسؤولي أحرار الشام للانضمام إلى هيئة تحرير الشام الجديدة، ومن ضمنهم هاشم الشيخ وأبو صالح طحان وأبو محمد الصادق وأبو يوسف المهاجر، واستقطبت هيئة تحرير الشام عدة مشايخ سلفيين أمثال عبد الله المحيسني وعبدالرزاق المهدي، ويمثل «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي التحقت به مجموعة من «جند الأقصى»، قوة ضاربة وهو يهيمن على جماعة «أنصار الدين».
 
هكذا أصبحت النصرة القوة العسكرية الأكبر في سوريا بعد تفكك وضعف جماعات المعارضة المسلحة، والحرب ضد «داعش» وتواصل العمليات الأميركية مع حلفائها لطرد التنظيم من الرقة والإعلان عن معركة شرق دير الزور التي تتقاسمها مع روسيا وحلفائها غرب الفرات، أعلنت وزارة الدفاع الروسية إن طائراتها نفذت أكثر من 28 ألف طلعة جوية في سوريا منذ بدء العملية العسكرية الروسية، شنت خلالها نحو 90 ألف غارة على «مواقع الإرهابيين»، ما ضاعف مساحة سيطرة قوات النظام أربع مرات.
 
يدرك الجميع أن بدء المعركة على النصرة في إدلب تقترب كلما اقترب موعد طرد «داعش» من الرقة ودير الزور، وعلى الرغم من المبالغة في حجم المعركة في إدلب فلا جدال أن النصرة تضم عددا كبيرا من المقاتلين، فبحسب الجنرال إيغور كوروبوف، نائب رئيس قسم العمليات في الأركان الروسية فإن هذا التنظيم الإرهابي يضم حاليا في صفوفه أكثر من 70 جماعة مسلحة، بعضها كان من المعارضة المسلحة في وقت سابق، وإجمالي عدد المقاتلين في «النصرة»حاليا يزيد على 25 ألف مقاتل.
 
لا تختلف التقديرات الأميركية عن الروسية لكنها تقدم تفصيلا أكثر حول طبيعة الانتماءات وخريطة الانتشار وطبيعة القدرات، فحسب فابريس بالونش من معهد واشنطن تشكّل «هيئة تحرير الشام» أكبر جماعة متمردة في سوريا ومحافظة إدلب على حد سواء، ومن بين مقاتلي «الهيئة» الذين يناهز عددهم 30 ألف عنصر والمنتشرين في جميع أنحاء البلاد، يتمركز نحو الثلثين في منطقة إدلب.
 
يمكن القول أن اجتماع «أستانة 6» هيمن عليه البحث في مصير النصرة ومستقبل إدلب وآليات ضمها لمناطق خفض التصعيد ودور القوى الراعية ومناطق نفوذها وعملها، فقد شكل الوجود المكثف لعناصر «جبهة النصرة» في محافظة إدلب إحدى أكثر العقبات تعقيداً خلال المشاورات حول إقامة منطقة خفض التصعيد في المحافظة، وكانت الدول الضامنة أعلنت خلال لقاء «أستانة 5» مطلع تموز الماضي، عن تشكيل لجنة خاصة لمواصلة العمل على الوثائق الخاصة بإقامة مناطق خفض التصعيد، وركزت اللجنة على منطقة إدلب، وسيشهد «أستانة 7» القادم نهاية تشرين اول المقبل الإعلان عن بدء المعركة على النصرة في إدلب.
 
في الحقيقة ثمة مبالغة كبيرة في قدرات النصرة فهي جماعة غير متجانسة إيديولوجيا، وهشة استراتيجيا، وقد انبنت سمعتها على المقاتلين الانتحاريين الأجانب، قد أدركت أميركا هذه الحقيقة مبكرا، حيث عملت على استهداف المجموعات والعناصر الجهادية المعولمة داخل النصرة التي ترتبط فعليا بالقاعدة، وهي المجموعة التي أطلقت عليها أميركا جماعة «خراسان»، منذ ايلول 2014 وتمكنت من قتل معظم قادتها أمثال زعيم المجموعة محسن الفضلي ثم طالت معظم قادة المجموعة بدءا من عبد المحسن عبدالله إبراهيم الشارخ المعروف بـ»سنافي النصر» ومرورا بأبي فراس السوري وصولا إلى أبو الفرج المصري رفاعي طه وأبو الأفغان المصري، وأخيرا طالت أبو الخير المصري أحمد حسن أبو الخير الذي قتل في 26 شباط 2017.
 
لا أعتقد أن طرد النصرة من إدلب سيشكل تحديا كبيرا فمع بدء المعركة ستبدأ الجماعة بالتفكك، فجبهة النصرة كما هو حال فروع القاعدة لا تملك خبرة في إدارة المناطق المحررة، فالسيطرة المكانية تخلق حالة من التسيّب الأمني، وتصبح عمليات القتل المستهدف أكثر سهولة، وعمليات الاختراق أشد فعالية، بحيث باتت إدلب التي تقع تحت سيطرة التنظيم نقمة عليه، فقد تم إغتيال مجموعة من القيادات في هذه المنطقة التي يفترض أن تكون آمنة، الأمر الذي يعيد التذكير بسيناريو انهيار القاعدة في محافظة حضرموت اليمنية.
 
كما أن المحموعة الأكثر صلابة وخبرة في النصرة انشقت بعد الإعلان عن تأسيس جبهة فتح الشام وفك الارتباط بالقاعدة، وتعززت بعد تشكيل هيئة تحرير الشام، وقد رفع تنظيم القاعدة والمنظرون الجهاديون دعمهم عن النصرة حيث وصف الظواهري الجولاني بالغدر والخيانة والخداع، واتهمه المنظرون بالتخلي عن الشريعة، وكانت بعض القيادات التاريخية للقاعدة قد حذرت من براغماتية الجولاني وفي مقدمة هؤلاء سيف العدل وأبو القسام، وانفصل قدماء القاعدة في النصرة عنها منذ إعلان فك الارتباط الذي كان يفترض أن يكون شكليا، أمثال أبو جليبيب وبلال خريسات وسامي العريدي، فبحسب الأخيرين كان قرار فك الارتباط مناورة تقع في إطار الغدر والخيانة.
 
قبل بدء معركة إدلب سوف تكون النصرة وحيدة وستتوالى الانشقاقات وتتفكك التحالفات الهشة وتبرز الخلافات داخل صفوف النصرة ذاتها باجنحتها العسكرية والشرعية وقد تسارعت وتيرة الانشقاقات عن الهيئة مبكرا، حيث أعلنت «حركة نور الدين زنكي» انفصالها عن «هيئة تحرير الشام» أواخر تموز2017، عقب هجوم الهيئة على أحرار الشام، حيث تقوم تركيا بدور فعال في تفكيك النصرة بطرائق عديدة، ولم يكن تمدد النصرة على الحدود التركية بعيدا عن استدراجها، فقد عمدت تركيا إلى إبراز الطبيعة البراغماتية الخطرة للنصرة لدفع حلفائها على تركها، فقتال النصرة لحلفائها الأقرب تاريخيا كأحرار الشام أسفر عن عاصفة من الانشقاقات بعد تسريب محادثات صوتية بين القيادات العليا للنصرة توضح نهجها البراغماتي وطبيعة تحالفاتها الاستحواذية.
 
خلاصة القول أن الطريق إلى معركة إدلب بدأت من خلال ديناميات أستانة، حيث تقوم تركيا بالدور الرئيس في تفكيك النصرة، ومع اقتراب المعركة وعند بدئها سنشهد هشاشة النصرة وعدم تجانسها، وقد يذهب الجولاني إلى عقد صفقة مع إيران كما حدث في اتفاقات سابقة، ومن سيقاتل بشراسة هم مقاتلو النصرة الأجانب، لكن المؤكد أن معركة «النصرة» في إدلب لن تكون كمعركة «داعش» في الموصل والتي تصفها أميركا بالمعركة الأكثر عنفا في التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية.