Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Jun-2017

في تحرر الوعي واستقلاله - ابراهيم العجلوني
 
الراي - تصدى مصطفى صادق الرافعي ومحمد الخضر حسين ومحمد فريد وجدي واخرون لطه حسين حين اصدر كتابه في الشعر الجاهلي وابطلوا دعاواه فيه. كما تصدى لكتاب علي عبدالرازق: «الاسلام واصول الحكم» نفر من العلماء ابطلوا دعاواه فيه. وعلى المؤرخ النزيه اذا اراد ان يقدم صورة موضوعية لحركة الفكر العربي الاسلامي منذ مطالع القرن العشرين ان لا يغفل تلك الردود العلمية التي ابطلت اطاريح طه حسين وعلي عبدالرازق. ولكن ثمة من يعيد طبع كتابيهما مرات متتابعة دون ان يشفع ذلك باعادة نشر الردود العلمية عليهما. وذلك ما يبعث على التساؤل عن الاسباب او عن الجهات التي تقف وراء هذا التنكّب للنزاهة والموضوعية.
 
ولقد قدّم الراحل الدكتور محمد محمد حسين في كتابه: «الاتجاهات الوطنية في الادب الحديث» صورة وافية لواقع الصراع الفكري الذي فجّره هذان الكتابان, واظهرنا على طبيعة الظروف التي تأدت الى الجراءة ذات الطابع الاستشراقي في تنكب حقيقة الاسلام والمزاورة عن تعاليمه الواضحة, كما اظهرنا على دور الاستعمار في تمكين النزعات التغريبية فكان لنا من كتابه ومن كتاب استاذنا الراحل الدكتور ناصر الدين الاسد: «مصادر الشعر الجاهلي» ثم من كتاب خالد محمد خالد: «الدولة في الاسلام» الذي مثل رجوعاً صريحاً عن كتابه القديم: «من هنا نبدأ» فيما يتعلق بقضية الدولة الاسلامية.. كان لنا من ذلك كله ما يتيح للدراسين من ابناء جيلنا والجيل الذي يليه أن يموضعوا اشكالية (الاسلام والدولة) في سياقها من جهود الدول الغربية في صرف العرب والمسلمين عن مقومات نهوضهم الذاتي, وعن ما يحيي شخصيتهم الحضارية, سواء أكان ذلك في مجال الفكر والادب أم كان في مجال التشريع القانوني الذي حرص المستعمرون على أن يجعلوا الاسلام وراءه ظهرياً, حيث صح في اعتبار بعض الدارسين تشبيه دخول القوانين الوضعية (الغربية) الى بلادنا بدخول اليهود (الصهاينة) الى فلسطين.. بدأ دبيباً خفياً وانتهى اغتصاباً وقاحاً..
 
من اجل ذلك كله صار من تمام معنى الاستقلال وحرية تقرير المصير ان نضع (نحن) مناهج دراستنا الادبية وقوانين حياتنا السياسية والتشريعية, وان تكون لنا «فلسفتنا» وان يكون لنا «اقتصادنا» وان نكف عن المضاهأة الرويبضية المخزية التي تستغرق وجودنا المعار جملة وتجعلنا آخر الامم في مدارج التقدم العلمي, وتسلمنا الى الوان المذلة والهوان التي لا يختلف على الاعتراف بها عاقلان.
 
نستذكر في هذا المقام ما قاله الدكتور عبدالرزاق السنهوري في وجه مخططات الانجليز لدفع التشريع الاسلامي عن أن يكون ذا اثر في الدولة المصرية التي يسيطرون عليها اواخر اربعينيات القرن العشرين, اذ قال بعد ان تعمّق في قراءة مصادر الفقه الاسلامي: «إني زعيم بأن تجدوا في ذخائر الشريعة الاسلامية من المبادئ والنظريات ما لا يقل في رقي الصياغة وفي احكام الصنعة عن احدث المبادئ والنظريات واكثرها تقدما في الفقه الغربي».
 
على ان الدكتور السنهوري الذي نشرت «الاهرام» المصرية قوله هذا آنذاك واجه عنتاً بالغاً من المستعمرين وصنائعهم كما واجه التعنت نفسه من رجال الثورة المصرية مطلع الخمسينيات, على الرغم من الفارق الذي لا يمكن تناسيه بين المستعمرين والثائرين!!
 
غاية ما نرمي اليه هنا أن نلفت اولي الالباب الى ضرورة ان نكون امة مستقلة في مناهج نظرها وفي تشريعاتها وقوانينها وفي مكونات ذائقتها الادبية وفي قيمها واخلاقها وجمالياتها.
 
تلك هي ميادين الاستقلال التي ننتدب العقول والارادات لخوضها. وعسى أن يكون ذلك مباشراً بقوة, وبروح متحررة من احابيل الاستعمار وايحاءات المستشرقين ومن يلهث في غبارهم من الذاهلين.