Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-May-2017

في حداثة الشعر: قول أول - ابراهيم العجلوني
 
الراي - يرى كثير من النقاد أن الموشحات الاندلسية كانت تطويراً للفن الشعري عند العرب. ويرى بعضهم أن هذا التطوير (المزعوم) بدأ بها لينتهي الى شعر «التفعيلة» ثم الى ما يسمونه «الشعر المنثور» ثم الى ما يتلقاه «مقلدو الحداثة» بأفواههم من فرية (أو إفك) ما يسمونه «قصيدة النثر». وفي الحق أن هذا كله من سمادير الافكار وأوهام الاحلام, اذ الناظر المدقق والباحث المحقق لا بد أن يرى في هذه الدعوى العريضة تجافياً عن موازين الذائقة الشعرية العربية, وعماية عن الفارق الذي لا تخطئه البصيرة بين التطور والابداع وبين النكوص والقرزمة.
 
ولقد تولى بعضهم كبر هذه الدعوى لاسباب لا تخرج عن واقعة انبهارهم امام ثقافة المستعمرين مشتبكة بواقعة انخذالهم عن سمت الشعر العربي ووقوع محاولاتهم دون معارجه ومراقيه, وهو أمر تراخت به عقود السنين حتى طم غثاؤه وأسن ماؤه لزاماً أن تعصف رياح النقد الصارم به, قبل أن لا يكون ثمة أمل في كشف عواره ودفع ثقيل عاشيته عن العقول والاذواق ووبيل آثاره.
 
***
 
إن في منظّري هذا النكوص من يتفاخر فرحاً حين يقرأ – مثلاً – ما جاء في «نفح الطيب» للشيخ التلمساني من قول أبي بكر يحيى بن بقي (على وزن عليّ):
 
ما ردني لابس – ثوب الضنا الدارس – الا قمر
 
في غصن مائس – شعاعه عاكس – ضوء البصر
 
أو قوله:
 
أسير كالسيل – اليه لا باع – الا ودادي
 
والطيف في خيل – لهن اسراع – مع الرقاد
 
وحسبان هذا الكلام الركيك – وهناك امثلة شبيهة تملأ دواوين الشعراء المحدثين – شاهداً على تطور أوزان الشعر العربي لا على انخذال «يحيى بن بقي» وكثير من اصحاب الموشحات دون روائعه وانموذجاته العالية هو اكبر دليل على أن وراء الاكمة ما وراءها, وأن المسألة لا تتعلق بالتأريخ الجاد المسؤول لتطور الادب قدر تعلّقها بالتعلاّت الفارغة لنكوص مدّعي الحداثة على أعقابهم.
 
***
 
لم تكن الموشحات تطويراً نوعياً لشعر العرب, كما لم يكن «الشعر الحر» كذلك, ولا «قصيدة النثر» التي يشتمل وصفها على تناقض واضح, اذ للقصيد منهج معروف ومعنى لا يختلف عليه, كما أن للنثر معنى معروفاً ايضاً, ولكن القوم لا يستوقفهم معنى ولا تعنيهم فوارق ما بين الاشياء..
 
***
 
أما الطامة الكبرى فهي اجتماع القصور عن مستوى الشعر العربي الاصيل والقصور عن مستوى النثر العربي الجميل, وتظاهر ضعفين وتواشج ركاكتين.. وهناً على وهن.
 
إنهم ضعفة عجزة (إلا من رحم ربك). وهم يبررون ما هم فيه بالتطور والتجديد والحداثة. يواطئهم في ذلك جمهرة من النقاد على قاعدة: «نعترف بكم شعراء لتعترفوا بنا نقاداً», وكلّهم في خوضهم يلعبون.
 
***
 
ثمة, إذن, مغالطة كبرى, ينبغي مواجهتها بتأريخ للأدب مختلف عن هذا السائد الذي وطأ له فساد حياتنا العقلية والادبية الاكناف..
 
ونحن هنا انما نعلّق جرساً – بهذا القول الاول – ونطلق دعوة, وما ينبهك مثل نذير.