Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Dec-2018

الأردن وملء الفراغ - د. نبيل الكوفحي

الراي -  الفراغ السياسي القيادي الذي تعيشه المنطقة العربية يحتم على الأردن ويعطيه فرصة أن يتصدى لواجبه القومي بالمبادرة لملء هذا الفراغ، حيث أن الحقيقة العلمية والدروس التاريخية تفضي إلى حقيقة: أن العالم الجيوسياسي لا يقبل الفراغ طويلاً. تشخيص الوضع السياسي العربي لا يحتاج إلى عمق نظر، فبين "دول فاشلة" بكامل المعنى السياسي للمصطلح، وبين "أنظمة فاشلة" في الحصول على شرعية غير الحديد والنار، إلى أنظمة تمارس سياسات تخلوا من الحكمة والرشد، وبين أنظمة متوقفة النمو وأخرى تسير كالسلحفاة نحو المستقبل وقليل ما هم. في ظل هذه التوصيفات أصبح الانكفاء نحو الذات سمة غالبة وربما "طبيعة" لغالب الدول العربية، إذ لم يعد الإعلام يتداول المصطلحات التقليدية نحو:

الأمة العربية، العمل العربي المشترك وغيرها، ومن النادر أن نسمع خبراً عن مؤسسات العمل العربي كالجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي وغيرها.
التغلب على هذه الظروف المؤلمة ممكن، حيث مرت الأمة بحالات أسوأ وتجاوزتها، فكان الغزو المغولي وانتهى، وجاء الاحتلال الأوروبي الصليبي واندثر، وليس ببعيد انكسار ورحيل جيوش الاستعمار في القرن السابق. حيث نهضت الأمة بمبادرات لقادة عظام، لا زلنا نستذكرهم ونترحم عليهم اعلاماً مضيئة في تاريخ الأمة. من يقرأ كيف نشأت تلك المبادرات يجد أنها بدأت كمن يرسم على الماء، لكنها بالعزيمة والحكمة والشجاعة، أورثتنا تاريخاً نتغنى به فخراً وعزاً حتى في سواد هذه الأيام الحالكة.
لدى الأردن فرصة فريدة ولحظة تاريخية مناسبة في التأسيس لمستقبل عربي مغاير لما تعيشه الأمة. فالأمر لا يحتاج لإمكانات مالية، بقدر ما يحتاج لمبادرة من دولة مستقرة داخلياً، فلا قلق عند نظامها يتعلق بشرعيته، وليس هناك انقسام طائفي أو اجتماعي، وليس من دم مراق بين مواطنيها، ولا ذريعة لتدخل أجنبي. وعلى المستوى الخارجي: تتمتع بعلاقات احترام مع الدول العربية، أو على الأقل عدم قطيعة مع أحد، وقبول دولي ملحوظ. هذه الفرصة تحتاج لرجال دولة يؤمنون بقدرات الأردن، ويستطيعون توظيف الميزة النسبية الجيوسياسية والأخلاقية في أكثر من ناحية بشكل مثمر وبأدوات بسيطة ليس قوامها الإمكانات المالية أو العسكرية. ربما لن يكون الأثر الايجابي مباشراً، لكنه سيأتي، فإن تركت الأوضاع هكذا، فالطوفان سيعم الجميع حتى وإن كان متفرجاً، فلا أحد بمنجى وإن علت أسواره. فلم تعد الحدود السياسية سداً أمام طوفان الخراب في المنطقة.
مما يعزز فرصتنا للنجاح بهذه المسؤولية التاريخية "الفطرة الوطنية" فلا زال الأردني عروبياً مؤمناً بأمته، والأردن يمتلك الحد الأدنى من الخط الدافيء مع الجميع، والخلاف الداخلي ليس اختلافاً على الدولة -كما هو حال آخرين- إنما اختلاف على كيفية إدارتها.
لكن الدولة تحتاج لـ "رجال حكم" وليس فقط لـ "موظفين كبار"، بحاجة لقيادات مؤهلة أخلاقياً وسياسياً في مفاصل إدارة المملكة الرئيسة، يحسنون إدارة الشأن الداخلي وتوظيف الموارد البشرية وتعظيم الامكانات الوطنية في محاربة الفساد، يساندون الملك في التقدم لهذه المسؤولية التاريخية لوطن قدره أن يكون وطناً لكل العرب، ولا زال جيشه يزين نواصي قادته وجنوده بشعار "الجيش العربي".