Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Mar-2018

(فرّق تسد) الأميركية تستنبت جين الهوية المفردة - رومان حداد

 الراي - تتضمن سياسة (فرّق تسد) مبدأً سياسياً تسلطياً قديماً يقضي بإضعاف الخصوم والأعداء عن طريق شق صفوفهم وإثارة الخلافات والانقسامات فيما بينهم أو بالحيلولة دون توحدهم وذلك عن طريق تجزئة قواهم، وإثارة الواحد ضد الآخر، وهذا المبدأ ينطبق بصورة واضحة على سياسة الدول الكبرى ذات النزعة الامبراطورية الراغبة فى فرض الهيمنة وبسط النفوذ على مناطق أخرى لتحقيق العديد من الأهداف، منها السياسي والاقتصادي والثقافي.

ان إثارة الصراعات الطائفية والمذهبية تأتي ضمن رؤية صراع الحضارات والتوجه السياسي للقوى المهينة على العالم، وتحمل في طياتها جذور الصراعات التاريخية المذهبية والقبلية والجهوية، التي تتخذ من السياسة واجهة علنية لها.
وفي إطار حلمها الامبراطوري تقوم الولايات المتحدة بتنفيذ تدريجي لعملية فكفكة المنطقة وإعادة تركيبها وفق ما يحقق مصالحها، فالفوضى الخلاقة تحتاج بداية إلى (تدمير خلاق) يهدف إلى حل وإسقاط الدولة بكلّ رموزها وهياكلها ثم إعادة البناء انطلاقاً من الصفر.
وكانت التحولات المتسارعة التي جاءت بها العولمة والتي أدت إلى الانتشار السريع للمعلومات والمعارف، وسهولة حركة الناس، واندماج أسواق العالم في حقول التجارة وتنقل الأموال والاستثمارات المباشرة والقوى العاملة والثقافات، سبباً رئيساً في تفتيت الهويات الكبرى في الوقت الذي عززت فيه الانتماء إلى الهويات الفرعية لتكون المظلة التي يحتمي فيها الفرد، والواجهة التي تعبر عنه.
ويبرز القرن الحادي والعشرون أنه قرن الصراع الحضاري الذي مناطه القيم الروحية والثقافية بالإضافة إلى الصراع الاقتصادي على المنافع المادية.
والانتماء إلى هوية فرعية دينية أو مذهبية أو طائفية أو عرقية أخذ أبعاداً جديدة دفعت في بعض الأحيان إلى اللجوء للعنف الدامي، وهو ما يؤكده الواقع في أكثر من دول عربية عبر ما يمكن تسميته بـ(هستيريا الهوية)، والذي يظهر من خلال عدم اندماج مجموعة من الأفراد بسهولة وبشكل طبيعي في الجماعة الوطنية، وهو ما يدفعهم بقوة نحو الشعورد بتفرّدهم بهويتهم، وضرورة الحفاظ عليها عبر الانعزال ليتم فرضها على كتلة مجتمعية جديدة.
وقد استطاعت الولايات المتحدة تطبيق سياسة (فرّق تسد) عبر دفع الشعوب في مناطق العالم الثالث إلى تكسير الأطر الجمعية التي ترسمها الدولة لمصلحة الانتماء إلى مجموعات ما قبل الدولة الحديثة، فالعولمة المعاصرة التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية أفرزت تهديداً ثقافياً، وهذا التهديد الثقافي والديني دفع الناس إلى الاحتماء بعقائدهم لدرجة التعصب والعنف والقتال، لأنهم يشعرون أنهم مهددون في ما يحدد هويتهم، ولشدة خوفهم من الاستئصال والانسلاخ قصراً عن معتقداتهم. وهذا الارتداد المتعصب إلى الهويات الفرعية فتح باب الصراع بين مكونات المجتمعات العربية، لأن الصراع يسهل أن ينشأ عندما يشعر الإنسان أنه مهدد في جانب من ذاتيته وهويته.
ويمكن تسمية ما يدور على أساس ديني أو مذهبي أو طائفي أو إثني انه صراع الهويات المقاومة، والهوية المقاومة هي من إفراز فاعلين اجتماعيين يعانون من الإقصاء والرفض من طرف المؤسسات السائدة في الدولة، وهؤلاء الفاعلون الاجتماعيون يقاومون هيمنة السلطة من خلال التشبث بمبادئ مناقضة للمبادئ التي تعطي الشرعية للنظام الحاكم، وكلما استمر تأثيرهم على الأرض اكتسبوا شرعية أكبر عند من يمثلونهم، وفقدت الدولة ومؤسساتها شرعيتها عندهم.
ويساعد الإعلام بمختلف أشكاله سواء الفضائي أو شبكات التواصل الاجتماعي على خلق حالة من الهوس والنزعات اللاعقلانية لدى هذه المجموعات المتصارعة، ويساعد على تعطيل دور العقل النقدي، ويغذي روافد التعصب والكراهية، حيث تقفز قوى غير عقلانية إلى صدارة المشهد السياسي، وتغذي الجدل بنعرات التعصب الديني والمذهبي، وتؤجج النزعات الطائفية والعرقية والهوس الديني، والاقتتال الأهلي داخل الدولة.
فشعور مكون اجتماعي ما في المجتمع بحالة اغتراب مجتمعي يجعله بالنهاية أكثر قابلية للاستلاب والاختراق، وهو ما يجعل من الأهمية بمكان معالجة هذا الخلل وتعزيز روح الانتماء لوطنه ومجتمعه الذي يعيش فيه بإشباع حاجته للهوية الجامعة وتحقيق الاندماج فيه.
وغياب مفهوم المواطنة من أشد مظاهر أزمة الهوية خطرا، فالمواطنة هي الانتماء والعلاقة التي تربط الإنسان بالوطن، فتضخم خطاب الهوية مرتبط بفترات الهزات الحضارية العميقة.
توحي حالة (هيجان) الهويات الفرعية في المنطقة إلى محاولة جادة من قبل الولايات المتحدة إلى إعادة ترسيم الحدود في المنطقة حيث تكون المصادر النفطية في غالبها الأعم في يد الدول المستحدثة، وهو ما يظهر سعي الولايات المتحدة الأميركية للسيطرة على النفط في المنطقة ومنعه من التدفق إلى دول تراها منافسة لها مثل الصين.