Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Nov-2016

النفايات تهدد الثروة السمكية والمرجانية في العقبة

 خبراء ينتقدون "التراخي" في تطبيق تشريعات الحماية البيئية.. وتبعثر الجهود الرسمية والأهلية

 
تحقيق: أحمد الرواشدة
العقبة –الغد-  تشكل النفايات المتراكمة وغبار الفوسفات المتناثر في البحر الأحمر وشاطئه، والذي يعد المنفذ البحري الوحيد للأردن، تهديدا حقيقيا للثروة السمكية والمرجانية، حتى بات الوضع الاجتماعي والبيئي لسكان العقبة وروادها "مقلقا"، كما يقول خبراء بيئيون.
لم يقتصر التهديد على التنوع الحيوي للمنطقة على هذين السببين، بل زادتها سوءا المخلفات الناتجة عن حركة الملاحة في الخليج من بقع النفط الأسود والزيوت المتسربة لمياه البحر، بحسب هؤلاء الخبراء.
وعليه، يحذر الخبراء أنفسهم من تدهور الوضع البيئي في خليج العقبة "إذا لم يتم التطبيق الفعلي للقانون، ومعاقبة المخالفين، تفاديا لتراكم النفايات وتأثيراتها الفيزيائية والكيميائية والفسيولوجية على الكائنات البحرية والتنوع الحيوي"، في ظل "ضعف الالتزام بالتصدي لهذه المشكلة".
ويراهن خبراء على تكاتف الجهود بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني، في رفع مستوى الوعي البيئي لدى المواطن وأصحاب المصانع والعاملين بالملاحة البحرية، وصولا الى الحفاظ على الثروة السمكية والمرجانية، وعدم تعرضها للانقراض"، وذلك من خلال إعداد حملات تخفض من حجم النفايات "القاتلة".
أكياس بلاستيكية تهدد الثروة البحرية 
عدة أبحاث حول ملوثات البحر في العقبة، بينت أن أغلب الملوثات على بيئة المنطقة، تأتي من انتشار أكياس بلاستيكية (بالونات)، وحبال السفن وشباك الصيد وعبوات بلاستيكية وزجاجية، وأعقاب السجائر، وما تلقيه سفن من مواد صلبة وسائلة، حسب ما أكده مؤسس محطة العلوم البحرية في العقبة، وعميد كلية العلوم البحرية في الجامعة الأردنية الدكتور أحمد أبو هلال.
ويحذر ابو هلال من التأثيرات السلبية والخطيرة لهذه النفايات على الكائنات البحرية في خليج العقبة، وقال إن "المواد البلاستيكية صغيرة الحجم، وتسمى مايكروبلاستيك، وتصل للبيئة البحرية، ويمكنها ان تتجمع على شكل ملوثات هيدوكربونية الذرة، وتبتلعها الكائنات البحرية، وتنتقل للانسان مباشرة بعد تناوله الأسماك".
هذه الملوثات والمخلفات -بحسب أبو هلال- كثيرا ما تصل للشعاب المرجانية، وتغطيها وتمنع عنها الضوء، فتقضي على نشاطها  في البحر، ليمتد تأثيرها الى الأسماك والسلاحف البحرية وكلاب البحر، عندما تبتلعها، بحيث لا تعود قادرة على إخراجها فتقتلها.
وحسب دراسة حديثة أعدتها الجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية في العقبة، فقد تم خلال العام 2014 جمع ما يقارب 7 اطنان من النفايات، شكلت النفايات البلاستيكية منها أكثر من
65 %، وخلال العام 2015، تم جمع 3 أطنان من النفايات، أما في العام 2016 وحتى نهاية تشرين الأول (اكتوبر) فتم جمع اكثر من 450 كغم من النفايات، في اشارة واضحة الى انخفاض النفايات خلال السنة الحالية، الى اكثر من النصف مقارنة مع العام الماضي.
جهود مبعثرة وغير مجدية
على الرغم من الجهود التي تقوم بها جمعيات أهلية وشبه حكومية وحكومية من حملات تنظيف لجوف البحر من النفايات، ما أسهم في انخفاض كميات النفايات والتي تتراوح في كل حملة ما بين 3-5 أطنان، فان المشكلة ما تزال مستمرة، بسبب "تخمة البحر بالنفايات البحرية والتي يغذيها  البشر"، بحسب قول المستشارة الاعلامية للجمعية الملكية للحماية البحرية زين حمدان.
وتقول حمدان لـ"الغد"، إن الجمعية أعدت بالتعاون مع مؤسسات رسمية وغير حكومية ذات علاقة في العقبة، حملات دورية لنظافة الشواطئ وجوف البحر ، تجمع كميات كبيرة من النفايات، من جوف البحر، والتي تؤثر على بيئة الحيود المرجانية، وتزداد خطورتها مع قصر مساحة الحيد المرجاني، الذي لا يتجاوز 13 كم في الساحل الأردني.
وتبلغ مساحة الحيود المرجانية في البحر الأحمر، بشكل عام، ما يقارب 17640 كيلومترا مربعا، في حين يمتد خليج العقبة على مساحة 27 كيلومترا، وتحتل الحيود المرجانية ما يقارب 13 كيلومترا من مساحته، وسجل فيه نحو 150 نوعا من المرجان، وما يزيد على 180 نوعا من المرجان الرخو.
ويرتبط ارتفاع وانخفاض كميات النفايات بحملات التنظيف "المتذبذبة"على شواطى البحر وباطنه، حسب الرئيس التنفيذي السابق للجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية والخبير البيئي البحري فيصل ابو السندس، الذي قال لـ"الغد"، ان "كل 1 كيلوغرام يتم تجميعه على الشاطئ من نفايات بحرية بكافة اشكالها، وابرزها الصلبة والبلاستيكية، فانه يوجد مقابلها ما لا يقل عن 5 كيلوغرامات في جوف البحر".
ولبيان حجم المشكلة، التي يصفها أبو السندس بـ"الكارثية"، فقد تم في احدى الحملات وبمدة لا تتجاوز 30 دقيقة وبمسافة 250 مترا على الشاطئ الأوسط (الغندور سابقاً) جمع ما مجموعه 2 طن ونصف الطن من النفايات البحرية السامة، في المقابل فإن جوف البحر سيحتوى على أضعاف هذه الكميات، والتي تشكل "دمارا للحياة البحرية داخل البحر، لا سيما وأن العقبة تتميز بوجود آخر حيد مرجاني في شمال الكرة الأرضية".
ويرى أبو السندس أن سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة تمتلك الحرية بسن التشريعات والقوانين في العقبة، "لكنها لا ترغب في تطبيق القانون مراهنة -كما يبدو- على تحول عدم رمي النفايات إلى ثقافة لدى المواطنين"!، مطالبا بتطبيق القانون حماية للبيئة البحرية، بالحبس أو الغرامة للملوثين.
غير أن المستشار البيئي في سلطة منطقة العقبة عبد الله ابو عوالي يؤكد ان القانون "موجود، ويمكن تطبيق تعليماته، الا ان الارضية القانونية بما يتعلق بالتحصيل والكوادر البشرية والآلية غير موجودة، حتى الآن"، وأضاف "كلما فكرنا بتطبيق القانون نصطدم بعوائق مالية واجتماعية".
وقال أبو عوالي لـ"الغد" ان "السلطة" تجرم البواخر والسفن والقطع البحرية المخالفة، والتي تصل عقوبتها بما يتراوح بين دفع غرامات مالية الى غاية الحجز عليها، "لكن المشكلة في فرض عقوبات على المخالفين من رواد الشواطئ العامة". ومع ذلك يقترح "تفعيل شركات النظافة في العقبة للحد من دخول النفايات الى جوف البحر، ووضع كاميرات مراقبة للحد من عمليات تلويث المياه بشكل عام، ورصد المخالفات".
حركة الملاحة تلوث البحر  
يؤكد الخبير نضال العوران أن حركة البواخر في البحر تجلب معها التلوث البيئي لخليج العقبة، لكن المشكلة، بحسبه، تكمن في أن العقبة هي الرئة الوحيدة التي يتنفس منها الأردن "وهناك مصلحة وطنية عليا لانشاء المرافق المينائية حتى تزود المملكة باحتياجاتها من الغذاء والصناعات".
ويرى العوران أنه لا يوجد خيارات أخرى إلا إنشاء منظومة الموانئ في مياه العقبة، حتى وان كانت تؤثر سلبا على البيئة البحرية، وخاصة المرجان، الذي تم نقل أكثر من نصفه إلى أماكن أخرى لحمايته من أي تجارة بشرية "غير قانونية".
وكشفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، في احدث تقرير لها صدر في اب (اغسطس) من العام الحالي أن "60 % من الشِعاب المرجانيّة في العالم، ومن بينها الأردن، معرّضة للخطر بسبب الأنشطة المحليّة، فيما يعاني نحو 50 % من إجمالي مخزون الأسماك في النظم الإيكولوجية البحريّة الكبيرة من الاستخدام المفرط".
يشير الخبير البيئي ابو السندس الى أن القوارب والسفن تلعب دورا مهما في تلويث مياه البحر، عن طريق القاء كميات كبيرة من النفايات الى البيئة البحرية، والزيوت التي تنساب منها جراء عمليات صيانتها التي تحدث على الشاطئ.
غبار الفوسفات وموت المرجان
ويعد غبار الفوسفات من أخطر النفايات على البيئة والحياة البحرية في العقبة، وهي اغبرة تنتج عن تحميل بواخر الفوسفات، حسب قول خبراء البيئة، الذين يؤكدون ان تأثير الغبار يتركز على المرجان والأعشاب والكائنات البحرية ويترسب فوقها بشكل كامل.
ويتمثل الضرر على الشعاب المرجانية، وفق هؤلاء الخبراء، بعد ان يتم إغلاق المسام لكائن المرجان غير المرئي، مما يمنع وصول الاوكسجين له، وبالتالي التسبب بموت بطيء للمرجان الذي تتميز به العقبة، اضافة الى الكائنات البحرية الاخرى.
وتشير صفاء جيوسي، الخبيرة العالمية في مجال البيئة، الى ان كثرة غبار الفوسفات على سطح البحر يحجب أشعة الشمس عن الوصول الى الأحياء الدقيقة والشعاب المرجانية، ما يؤدي ايضاً الى نفوقها، موضحة ان "غبار الفوسفات يمتص أشعة الشمس، ويمنع وصولها الى أعماق قريبة من سطح البحر، ونتيجة لذلك لا تتعرض الشعاب المرجانية لأشعة الشمس بشكل طبيعي ما يجعل نموها غير طبيعي".
ودعت الجيوسي وزارة البيئة وسلطة منطقة العقبة لاعداد تقييم للأثر البيئي والانبعاثات الناتجة عن المصانع، قبل ترخيصها وتجديد رخصها، مع التأكيد على فاعلية الآليات المستخدمة للحد من التلوث، ويجب ان تكون من الشروط الرئيسية لإكمال العمل بالمشاريع.
وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد ركز، في تقرير التنمية البشرية للعام 2015 على مجموعة أهداف، منها  التصدي لآثار التغير المناخي، اضافة الى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية، واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة. 
تلوث أسماك البحر في العقبة
تواجد وتركز النفايات في قاع البحر وفي منطقة الحيود المرجانية، يؤثر سلبا عل المناظر الطبيعية، ما يزيد من نسبة الانتقادات الموجهة للقطاع السياحي، وغالبا ما يتأثر بهذه الظاهرة الغواصون، ومستخدمو القوارب الزجاجية، بحسب الخبراء.
يقول الدكتور العوران ان خطورة النفايات على الاسماك انها تتسبب لها بعض الأحيان بأمراض، وبالتالي فان اصطيادها وهي مريضة وبيعها للمطاعم وتقديمها للسواح قد يضر بسمعة السياحة من خلال تناول السائح لوجبة أسماك ملوثة أصلاً في البحر.
ويشير العوران إلى تأثيرات أخرى للنفايات على القطاعات السياحية الاخرى، حيث ان مياه البحر الاحمر "بلورية وجاذبة سياحيا لرياضة الغوص، والتمتع بالنظر الى المرجان، والتي تتميز به العقبة عن باقي الدول الواقعة على البحر الاحمر".
كما يلفت العوران الى ضرورة "إعادة تأهيل وبناء مكب نفايات جديد بمواصفات دولية، على أن تكون ذات اولوية قصوى لدى سلطة منطقة العقبة، "لان المكب الحالي لا يفي بالغرض، وهو قريب من الجبال التي تأتي منها السيول الجارفة، وبدورها تأخذ معها النفايات وتقذفها إلى البحر".
 الصياد الأربعيني محمد كحال لم يكن يتوقع ان يغادر الصيادون البحر، وهو يجر قاربه الخشبي، ويعود بعد 12 ساعة قضاها في المياه الإقليمية، فارغ اليدين من الاسماك، والتي تمثل رزق أبنائه. اما الصياد زكي، الذي ورث مهنته عن ابيه وجده، فقد ترك مهنة الصيد واتجه إلى الأعمال الحرة، نتيجة شح الاسماك بخليج العقبة، وتراجع دخله بسبب تراكم النفايات في البحر، الى جانب قائمة الممنوعات التي تضعها الجهات المينائية والأمنية على الصياد.
حال الصياد "زكي" و"محمد" كحال عشرات الصيادين في العقبة، ممن يقصدون الرزق مع ساعات الفجر، لكنهم يعودون خائبي الأمل، بعد أن امتلا البحر بالنفايات، وضاقت بهم قوائم الممنوعات من الجهات المعنية.
قوانين بيئية وبحرية غير مفعلة
قانون الهيئة البحرية الأردنية رقم (46) لسنة 2006 ينص على اتخاذ الجهات الرسمية الإجراءات اللازمة للتأكد من استيفاء السفن لمتطلبات الأمن البحري والأمن الصحي وحماية البيئة البحرية والاتصالات البحرية اللاسلكية بين السفن والهيئة ومواجهة آثار الحوادث والكوارث البحرية وحجز السفن المخالفة مع مراعاة أحكام قانون منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة.
يقول العوران ان العقبة "بحاجة الى جهود اكبر وتطبيق فعلي للقانون"، ويشير الى ان التشريعات البيئية "جيدة وخاصة التعليمات والانظمة الصادرة عن سلطة منطقة العقبة وتلك المتعلقة بالبيئة البحرية، لكن�' هناك نقص بعملية التطبيق".
ويؤكد أن هناك مراقبة فعلية من قبل متنزه العقبة البحري والطوافين على متن القوارب لمراقبة الشاطئ والبحر، ومعهم صلاحيات الضابطة العدلية، لكن "هناك قصور بتطبيق القانون والذي يحتاج الى اعادة النظر فيه، وتحديث بعض مواده نظراً للكثافة السكانية في العقبة، وزيادة زوار المدينة" الساحلية الوحيدة للاردن.
ويشدد مفوض البيئة السابق في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة الدكتور مهند حرارة على ضرورة نشر التوعية باخطار القاء النفايات في البحر، مؤكداً ان التوعية "تبدأ من المنزل وصولاً الى صناع القرار لمنع انتشار التلوث في البيئة البحرية".
واضاف حرارة  لـ"الغد" ان القيام بحملات تنظيف مستمرة للشاطىء والبحر "ما تزال محدودة"، مؤكداً "ضرورة وضع لافتات وتوزيع بروشورات على المتنزهين ورواد الشواطئ، بالاضافة الى التوعية المستمرة للعاملين في مجالات النقل البحري والموانئ".
فيما بين الباحث البيئي حمزة المحيسن بان المجتمعات المرجانية والسمكية في العقبة "تعتبر ذات خصائص فريدة، حيث يعيش نحو 150 نوعاً من أنواع المرجان الصلب، وحوالي 450 نوعا من الأسماك، بعضها متوطن فقط في العقبة ولا يعيش إلا فيها".
وأضاف المحيسن لـ"الغد" ان خليج العقبة "يعد من ناحية بيولوجية منطقة عالية التوطن Highly endemic، أي أنها تحتوي على نسبة عالية من الكائنات الخاصة بها، الميزة الفريدة في مياه خليج العقبة هي درجة حرارتها الدافئة طوال السنة، وكذلك العمق الكبير للمياه، ووجود صفاء في هذه المياه وإضاءة عالية".
ahmad.rawashdeh@alghad.jo