Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Sep-2017

الاستثمار بين كفتيْن: اعقل وتوكل! - ناديا هاشم العالول
 
الراي - ما فتىء جلالة الملك عبد الله الثاني يحثنا على السعي نحو الإصلاح على الصعد كافة بما فيها الاستثمار.. حيث أكّد باوراقه النقاشية ولقاءاته وخاصة الأخيرة منها مع وكالة الانباء الاردنية (بترا) اهمية المحافظة على الطبقة الوسطى وتحريك عجلة التنمية ل «يلمس» المواطن بوادر امل تحفّزه على المشاركة والعطاء.
 
فعلا ما أحوجنا الى بناء اقتصاد يقوم على الاستثمار والعدالة الاجتماعية عبر توظيف رؤوس الأموال لتنشيط مشاريع اقتصادية ترجع بالمنفعة المادية على اصحابها سواء بالقطاع العام او الخاص، مما يؤثر ايجابا على الاقتصاد الوطني عبر عدالة اجتماعية تحقق رفاها جمْعيا يتناسب طرديا مع نسبة الالتزام الفعلي للمواطنين والمسؤولين، علما أن المسؤول هو مواطن أولا قبل ان يكون مسؤولا، والمواطن هو بدوره مسؤول قبل ان يصبح مسؤولا بموقعه.. فكلاهما شريكان بمسؤولية واحدة يتوازنان كما تتوازن كفتا الميزان.
 
يقول الله سبحانه «والسماء رفعها ووضع الميزان.. الاّ تطغوا في الميزان» سورة الرحمن..
 
فعلا فما أحوجنا الى هذا الميزان..علما بان كلمة الميزان ومشتقاتها من وزن وموزون.. الخ تكررت بسور عديدة بالقران الكريم، فالميزان مقياس العدل ورمز العدالة والاعتدال.. فلا يجوز مثلا ان تقتصر كفتا الميزان على الملموس دون المحسوس، وعلى المادة دون الروح، وعلى الاستثمار دون العدالة الاجتماعية.. كما لا يجوز رفع مستوى الاستثمار دون رفع مستوى ثقافته لتكون ثقافة جاذبة لا طاردة.. فإن أردنا تطوير الإستثمار لا بد من تطوير الانجازات، وهذه الانجازات لا تتحقق دون اتقان العمل الذي يوازن بين كفتيْ «اعقل وتوكل» عبر توازن مطلوب يعادل بين الكفتيْن، بحيث لا تطغى كفة على اخرى متجنبين بذلك تواكلا ينخر فيه سوس اللامبالاة. فكما ان التوازن مطلوب بين الشكل والمضمون، كذلك الإستثمار لا يتحقق بمعزل عن الانسان كمورد بشري اساسي وقوة استثمارية طبيعية كمستثمرين من جهة وكموارد بشرية تدير الاستثمار من جهة أخرى.. كلها برمتها تحتاج لتأهيل مدعوم بالثقافة والقوانين، ولا احد فوق القانون لتجعل البيئة الاسثمارية مؤهلة قادرة على جذب المزيد منه.
 
نماذج النجاح متعددة كعمالقة الاقتصاد في اليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة لا داعي لاجترارها، ولكن يكفينا مثالا بسيطا لرئيس كوريا الجنوبية بعد الانهزام والتقسيم الذي لحق ببلاده، قام بتشغيل اقتصادها 24 ساعة باليوم دونما توقف، لتدور عجلة الاقتصاد على مدارالساعة، و 365 يوما بالسنة، علاوة على فرضه بمرحلة ثانية منع التجول بعد الحادية عشرة مساء ليخلد الناس للنوم استعدادا للعمل المنجِز بعد تجميع قواهم لليوم الثاني.
 
فالقانون يفرض ثقافة الاستثمار والعمل والانجاز لتنمو وتثمر.. ونحن بالبلاد العربية لا يحلو لنا السهر وتناول العشاء إلا لبعد منتصف الليل، علاوة على الانغماس بعدها بدردشات اليكترونية تصل للفجر.. فأي تركيز وأي إنجاز واي «طولة روح» ستتوفر عند الفرد والجماعة صباحا علاوة على الأعصاب الفلتانة من قلة النوم «المهجّجة» للإستثمار بكل ما تعنيه «اللامسؤولية»..
 
فالمسؤولية الفاعلة تتحقق عبر الالتزام بالقوانين: 1- الطبيعية التي تفسر الظواهر والوقائع الفيزيائية والبيئية.. الخ، و2- القوانين المعيارية الممثلة لقواعد السلوك عبر تشريعات قانونية او حقوقية او أوامر اخلاقية، لتحقيق التحكم الاجتماعي من خلال قرار يضع وازعا يردع الفئات المخالفة للقوانين.
 
ولكن بين تغييب مقصود لفهم القوانين الطبيعية، واستهتار واضح بالقوانين المعيارية، تغرق البلاد النامية بفوضى القمامة الواقعية والإفتراضية–قمامة اللامبالاة–!
 
بإختصار شديد: الإلتزام يعني النجاة، فالأخطار البيئية وغيرها قد تسارعت وتيرتها بعد أن اختل الميزان! وبدأ الإنسان يحصد نتيجة لامبالاته، لضعف واضح بالالتزام قولا وفعلا وسلوكا.
 
فالانضباط والإتقان وجهان لعملة واحدة، فعنصر الإتقان مثلا هو نتيجة حتمية لهذا الانضباط، كما ان الإتقان بحد ذاته هدف تربوي، يدعمه الحديث النبوي: « إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه».
 
فلا بد من العمل الصحيح «المتقَن»، ليصير الإتقان جزءاً ثابتا من سلوكه الفعلي..كما ان الانضباط الذاتي مِثْله مثل الفضيلة فهو ظاهرة حضارية تميز فردا عن آخر وشعبا عن آخر فكلنا شاهدنا الانضباط الواقعي لدى 6 ملايين مواطن اميركي ينزحون معا بسبب الإعصار من فلوريدا بمواكب وأرتال من السيارات دون ارتكاب حادث واحد!
 
فهذا الانضباط لا يمكن أن يتَأتى بين يوم وليلة فبقدر ما يولد البعض منضبطا، بقدر ما يحتاجون لأن يعيشوا في بيئة «تشجع وتكافىء» على هذا الانضباط و»تحاسب» على تركه وإلا سيتسرب تدريجيا من بين أيدينا ليصبح هباء منثورا.. او نصبح نحن هباء منثورا..لا سمح الله! تفاءلوا بالخير تجدوه..
 
فعلا.. جميل ان نتفاءل، ولكن الأجمل ان ندرك بان التفاؤل لا يصنعه «التوكل»ُ لوحده، وإنما ب «العقل» ايضا نصنع التفاؤل..
 
فما بال التواكُل!
 
hashem.nadia@gmail