Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Dec-2017

نحو إطار متجدد لإعداد وتدريب المعلمين - د. محيّ الدّين توق

 

 
الغد- حقّق الأردن تقدُّماً جيّداً في مؤشرات التعليم للجميع ومؤشّرات أهداف الألفيّة، خاصة فيما يتعلّق بمؤشرات الانتشار والعدالة والمساواة بين الجنسين، إلّا أنّ معظم التقدُّم المحرز كان في مجال الأبعاد الكميّة. أمّا فيما يتعلّق بالأبعاد النوعيّة للتعليم فثمّة مؤشرات مقلقة سواء  بدلالة نتائج الدراسات الوطنيّة، أو نتائج الدّراسات الدوليّة المقارنة. ومن المعلوم أنّ نوعيّة التعليم تتأثّر بعدّة عوامل من أهمّها نوعيّة المعلّمين، والأشكال المختلفة لنشاطات التعليم، والتعلّم في المدرسة وخارجها. وعندما يتعلّق الأمر بنوعيّة المعلّمين فإنّ ذلك يتعلّق بكيفيّة اختيارهم، وإعدادهم قبل وأثناء الخدمة، وتطويرهم المهني المستمر، والوسائل التربويّة المتوفّرة لهم، والنظرة المجتمعيّة لمهنة التعليم، وبيئة العمل، وحوكمة العمليّة التعليميّة، والقيادة التربويّة.
وإيماناً بأنّ المعلّم يشكّل حجر الأساس في تطوير وإصلاح المنظومة التربويّة، أولى الأردن اهتماماً ملحوظاً بإعداد وتأهيل المعلّمين في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، وتمثّل هذا الاهتمام بإنشاء معاهد المعلّمين، وكليّات التربيّة، والارتقاء بمتطلّبات مهنة التعليم، ووضع الأنظمة المتعلّقة بالتدريب والتأهيل، ورخص مزاولة المهنة، ورتب المعلّمين، إلّا أن هذه الجهود تعثّرت في السنوات الأخيرة بحيث أصبحت الغالبيّة العظمى من المعلّمين والمعلّمات لا يحوزون على المؤهلات المنصوص عليها في قانون التربيّة والتعليم. ويعود السبب في ذلك إلى عدّة عوامل يذكر منها غياب السّياسات العامة والشاملة للمعلّمين، وتعثّر برامج إعداد وتأهيل المعلّمين في الجامعات، وضعف الإمكانات الماليّة والبشريّة المخصّصة للتدريب في الوزارة، وازدياد الطلب على المعلّمين نتيجة النّمو السكاني السريع وعزوف الكثير عن مهنة التعليم خاصة بين الذكور.
ما الذي يمكن عمله إزاء هذا الوضع الذي أقل ما يمكن قوله عنه إنّه خطير للغاية؟ بداية لا بدّ أن تتوافر لدى الدّولة سياسات للمعلّمين شاملة ومتكاملة يتشارك في وضعها كافّة الأطراف ذات المصلحة وعلى رأسهم المعلّمون والمعلّمات أنفسهم، ولا بدّ بعد ذلك أن تتحول هذه السّياسات إلى استراتيجيّات وخطط عمل قصيرة وطويلة المدى، وتوفير مستلزمات تنفيذها من الكوادر البشريّة والموارد الماليّة، وتحديد أدوار شركاء التّنفيذ، وتقييم النّتاجات والمخرجات، والتعلّم من الدّروس المستفادة لتعظيم الفوائد ومواجهة التحديّات.
تشكّل الاستراتيجيّة الوطنيّة لتنميّة الموارد البشريّة للعام 2016 نقطة بداية جيّدة لوضع القطار التربوي الاردني على السّكة الّصحيحة وخاصة ما تعلّق منها بإعداد وتدريب المعلّمين. فقد حدّدت الاستراتيجيّة العديد من المشاريع الهادفة للارتقاء بمهنة التعليم، إلّا أنّ ما ينقصها هو وضع أمر تأهيل المعلّمين ضمن إطار مؤسّسي شامل ومتفق عليه وطنيّاً، حتى لا يصبح هذا الأمر الحيوي عرضة لتصوّرات وأمزجة الأفراد الّذين يتولّون مسؤولية قيادة العمل التّربوي، أو تتغيّر بتغيّر الحكومات.
التّجارب الدّوليّة في هذا المجال عديدة، ويمكن الاستفادة من قصص نجاحها، وتمثل ما يمكن تطبيقه منها على واقعنا التربوي، ذلك أنّ لكل تجربة ناجحة سياقاً تربويّاً خاصّاً ليس من الضّروري توفّره لدى دول أخرى. إلّا أنّ هناك قواسم مشتركة بين هذه التجارب على رأسها، بل وأهمها، التّكامل بين برامج إعداد المعلمين قبل الخدمة، وتدريبهم اثناء الخدمة، وتنميتهم المهنيّة المستمرّة للارتقاء بمستوى كفاياتهم ومهاراتهم البيداغوجية والمهنيّة. فلم يعد الانفصال بين هذه الحلقات الثلاث مقبولاً.
أمّا في مجال تطبيق السّياسات وتنفيذ البرامج فهناك تباينات كثيرة بين الدّول. تتبع سنغافورة على سبيل المثال، وهي أكثر الدّول تقدّماً تربويّاً، نهجاً مركزيّاً شديداً، حيث يتولّى معهد التربيّة التّابع لجامعة نانيانغ التكنولوجيّة كافّة برامج إعداد المعلّمين قبل الخدمة، وتدريبهم اثناء الخدمة، وتنميتهم المستمرّة. أمّا الدّول الولائيّة مثل الولايات المتحدّة وألمانيا فإنّها تتبع نهجاً لامركزيّاً، حيث  تلعب مؤسّسات الحكم المحلي دوراً كبيراً في التّخطيط والتّنفيذ لبرامج إعداد وتدريب المعلّمين مستلهمة نتاجات البحوث التربويّة والتّطورات البيداغوجيّة والدّروس النّاجحة وبما يتناسب مع أوضاعها. أمّا فنلندا فتتولّى الجامعات فيها إعداد المعلّمين قبل الخدمة ضمن سياسات وموجّهات واضحة تضعها وزارة التربيّة والتعليم، كما تلعب الجامعات ومراكز البحوث التربويّة دوراً حيويّاً في تدريب المعلّمين اثناء الخدمة وتنميتهم المهنيّة المستمرّة. أما في الدول النامية فقد لجأت العديد منها الى مزيج من مركزيّة التّخطيط ولا مركزيّة التّنفيذ، إلّا أنّ الحريّة التي أعطيت للأقاليم والمحافظات في مواءمة وتنفيذ برامج الإعداد والتأهيل بما يتناسب مع أوضاعها فهي محدودة جدّاً في أفضل الاحوال.
على ضوء هذه المقاربات السّابقة ما الذي يمكن عمله في الأردن؟ لا بدّ من القول بداية إنّ للأردن تجربة غنيّة في مجال إعداد وتدريب وتأهيل المعلّمين، وفي بعض السّنوات كان الأردن سبّاقاً في التّطوير والتّحديث التّربوي، وقدّم للدول العربيّة أنموذجاً ناجحاً تمّت الاستفادة منه من قبل بعض الدّول العربيّة. إلّا أنّ تنفيذ بعض برامج اعداد المعلّمين في الجامعات شابه الكثير من الأخطاء،  ليس العيب في البنيّة العلميّة والمفاهيميّة لهذه البرامج بالضرورة، بل لأنّ التّدريب نحا نحو التّنظير أكثر من التّطبيق، وللأسف الشّديد تمّ التّخلي عن هذه البرامج كليّاً بدل تعديل مساراتها في الاتجاه الصّحيح منذ مطلع هذا القرن، ممّا ترتّب عليه أنّ ما يتراوح بين 80 إلى 90 ألفا من المعلّمين الممارسين  أصبحوا غير مؤهلين تربويّاً ومسلكيّاً، هذا من جهة. ومن جهة أخرى تحتاج وزارة التربيّة والتّعليم إلى تعيين عدد من المعلّمين سنويّاً يتراوح بين 3000  إلى 4000 معلّم ومعلّمة  لمواجهة الطّلب المتزايد على التّعليم واحلال معلّمين جدد بدل الفاقد نتيجة التّقاعد، وهجرة معلّمي القطاع العام للقطاع الخاص ودول الخليج العربي، وبالتالي فإنّ إعداد المعلّمين الجدد وتأهيل المعلّمين غير المؤهليّن يشكّل تحديّاً كبيراً لا تجدي معه المقاربات المحدودة والمبسّطة من النّوع الذي يجري حاليّاً، وقد يحتاج الأردن إلى سنوات طويلة حتى يخرج من عنق الزّجاجة التي وضع نفسه فيها. وعليه فإنّي أقترح إطاراً متجدّداً لإعداد وتدريب وتأهيل المعلّمين قائماً على الحاجة، والتّجارب الدوليّة النّاجحة، والممارسات البيداغوجيّة الفضلى التي ثبتت نجاعتها، والتطوّرات التكنولوجيّة الحديثة علماً بأنّ بعض جوانب هذا المقترح ورد في الاستراتيجيّة الوطنيّة لتنميّة الموارد البشريّة. ويتكوّن هذا الإطار من التالي:
1. إنشاء مركز وطني لإعداد وتدريب المعلّمين وتنميتهم المهنيّة يتولّى رسم سياسات المعلّمين المتعلّقة بالإعداد والتدّريب والتّنميّة المهنيّة، ووضع معايير واجراءات البرامج، وترخيص البرامج واعتمادها، ومراقبة تنفيذها، وتقييم نتائجها ومخرجاتها، وتعديل وتطوير مساراتها. على أن يكون هذا المركز مستقلّاً، ولكنه مرتبط تنظيميّاً بوزارة التربيّة والتعليم، وأن يتمثّل في مجلس إدارته بالإضافة الى الوزارة ممثّلون عن المزوّدين ( الجامعات والكليّات والمؤسّسات غير الحكوميّة والشّركات العاملة في مجال التّدريب)، والمستخدمين (المدارس العامّة والخاصّة ووكالة الغوث والقوّات المسلّحة )، والممارسين ( المديرين والمعلّمين والمعلّمات)، أساتذة الجامعات والقادة التّربويّين ( أساتذة الجامعات، والعلماء، والمفكّرين)، والمستفيدين الآخرين (الطّلبة وممثّلي المجتمع وقادة الرّأي).
2. أن يتبنّى المركز مقاربة شاملة لإعداد وتدريب المعلّمين تقوم على الارتباط الوثيق بين برامج إعداد المعلّمين قبل الخدمة، وبرامج إدماج المعلّمين الجدد، وبرامج التّدريب أثناء الخدمة، وبرامج التنميّة المهنيّة المستمرّة، وتبتعد عن المقاربات التجزيئيّة غير المترابطة.
3. أن تنحو برامج إعداد المعلّمين قبل الخدمة منحى تكامليّاً (تلازميّاً) قائماً على ترابط المعرفة العلميّة والبيداغوجيّة والممارسات العمليّة القائم على أفضل ما توصّل اليه البحث العلمي والتّربوي والابتعاد كليّاً عن المنحى التّتابعي، ورفع مستوى تأهيل المعلّمين للدرجة العلميّة الثانيّة (الماجستير)، على أن يتولّى هذا الامر الجامعات الاردنيّة التي تحوز برامجها على التّرخيص والاعتماد اللازمين حسبما ذكر أعلاه، وذلك استلهاماً للتجارب العالميّة النّاجحة في هذا المجال.
4. أن يتم التّركيز في برامج إعداد المعلّمين قبل الخدمة على الجانب العملي التّطبيقي المستمد من نتائج البحوث التّربويّة والممارسات الفضلى، ولهذا أقترح أن يكون التّنفيذ من ثلاثة مكوّنات؛ المكوّن النّظري (Face to Face) لآخر ما توصّلت إليه البحوث العلميّة والبيداغوجيّة بمقدار ثلث البرنامج، وتتولّاه الجامعات، والمكوّن التّطبيقي الذي يجري داخل المدرسة  (In- School Support) وتتولّاه الجامعات والمؤسّسات غير الحكوميّة والشّركات المتخصّصة ومؤسّسات التّدريب وبمقدار ثلث البرنامج، ومكوّن التّعليم الإلكتروني ( E. Learning) المبني على التّعلم الذّاتي والمتابعة اليوميّة للواجبات وبمقدار الثّلث.
5. إنشاء مؤسسة / أو دائرة تابعة للمركز الوطني لإعداد وتدريب المعلّمين وتنميتهم المهنيّة تختص بترخيص المعلّمين واعتماد شهاداتهم لأغراض المزاولة، واعتماد المدارس الخاصّة على غرار ما يجري في بعض الدّول العربيّة، على أن يكون التّرخيص لمدّة زمنيّة محدودة، وعلى المعلّم والمعلّمة تجديد الرّخصة بعد انقضاء هذه المدّة.
6. تفعيل نظام رتب المعلّمين وربط المسار الوظيفي بالمسار التّدريبي بحيث لا يرتقي اي معلّم / معلّمة إلى الرّتبة التّالية إلّا إذا اجتاز البرامج التدّريبيّة المقرّرة لتلك الرّتبة في جامعة أو معهد أو مؤسّسة أو شركة معتمدة.
7. يقوم المركز الوطني لإعداد وتدريب المعلّمين بوضع وتطوير برامج التّدريب اثناء الخدمة، وبرامج تأهيل المعلّمين غير المؤهلّين، وتدريب المدرّبين اللازمين لتنفيذ هذه البرامج بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث والمنظّمات غير الحكوميّة والشّركات المتخصّصة، وترخيصهم واعتمادهم، وعلى أن يتم وضع هذه البرامج على ضوء الحاجات الفعليّة للمعلّمين وتحليل الفجوات في ممارساتهم ومستوياتهم المعرفيّة والبيداغوجيّة.
8. تمشيّاً مع، وترسيخاً لنهج اللامركزيّة في الأردن، يتم بداية إنشاء ثلاثة مراكز فرعيّة (إقليميّة) تابعة للمركز الوطني في وسط وشمال وجنوب المملكة، تتولّى مسؤوليّة تدريب المعلّمين اثناء الخدمة وتأهيل من هو غير مؤهل منهم، للارتقاء بمهاراتهم وكفاياتهم للمستوى الوطني المطلوب على أن يقوم مدرّبو المركز الوطني بتدريب مدرّبي المراكز الإقليميّة.
9. يجري المركز الوطني مراجعة دوريّة وشاملة لسياساته وبرامجه كل خمس سنوات على الاكثر بالتعاون مع الجامعات والمعاهد العالميّة المرموقة العاملة في هذا المجال، ويطوّر لهذه الغاية شراكات حقيقيّة معها للاستفادة من خبراتها وتجاربها وممارساتها الفضلى.
10. ممّا لا شك فيه أنّ هذا المقترح، إذا ما قُبل ودخل حيّز النّفاذ، فإنّ هناك حاجة الى مراجعة بعض القوانين والانظمة وتعديل أجزاء منها، وعلى رأسها قانون التربيّة والتّعليم وبعض الانظمة الصّادرة بمقتضاه، وقانون التّعليم العالي والجامعات الاردنيّة، وقانون هيئة الاعتماد، وغيرها.