Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Jun-2020

من حيل المثقفين في زمن الكورونا

 الدستور-د. غسان إسماعيل عبد الخالق

 
حدثني صاحبي فقال: كنت أظن المثقفين أزهد الخلق في انتهاز المحن والأزمات، إذ طالما انهالوا بالنقد والتجريح على من أسموهم (تجّار الحروب)؛ حتى وجدتني أقع ضحية لأحدهم، فإذا بقلّة قليلة منهم، لا تقلّ لؤما وجشعا. فقلت له: وقعت ضحية لأحدهم وأنت الحريص الفَطِن؟ فقال: نعم وإليك التفاصيل...
في مستهل محنة الكورونا، استكتبني مثقف ينتمي لقطر عربي كبير، وطلب مني بإلحاح شديد أن أنجز لمؤسسته المزعومة بحثا مطوّلا في مسألة عويصة وشائكة ؛ فحاولت التملّص ما استطعت، وتذرّعت له بضيق الوقت وصعوبة الوصول إلى المراجع وكثرة عدد الصفحات، فأفسح لي في الوقت ووافق على إنقاص عدد الصفحات، ثم تذرّعت له بضرورة حصولي على استكتاب رسمي مختوم، فتعلّل لي بأن أبواب مؤسسته مغلقة بسبب الكورونا لكنه أقسم بشرفه أن يفي بالمكافأة. فقلت: وهل وافقت؟ فقال: أعرف أنك لن تصدّق لكنني وافقت رغم أن حدسي كان ينهاني وإليك التفاصيل...
شرعت في البحث، وهو لا يكاد يعفيني من الاطمئنان على حسن سيري في العمل يوميا، واسترسلت في الكتابة استرسال من يرغب جانبه الأيمن في الشماتة بجانبه الأيسر، حتى أنجزت البحث المطلوب قبل الموعد المتفق عليه بأيام وأعلمته بذلك، فراح يلهج بالثناء علي والدعاء لي، حتى رقّ قلبي له وتسرعت بإرسال البحث قبل أن أستلم المكافأة. فقلت: وهل وفى لك بوعده؟ فقال: أعرف أنك تستعجل الشماتة بي وإليك التفاصيل...
لم يصلني من المثقف العتيد كلام عبر الماسنجر أو الواتس كما اعتاد أن يفعل، ولما تفقّدت بريدي الألكتروني لم أفاجأ برسالته الركيكة المضطربة المهزوزة والتي يبلغني فيها بأنه عرَض البحث على لجنة من المحكّمين في مؤسسته المزعومة فأوصوا بالاعتذار عن قبول البحث! فقلت: ولكنه استكتبك ولم يطلب بحثا للتحكيم. فقال: هنا مربط الخديعة ؛ فقد تحول البحث المستكتب برجاء وإلحاف إلى بحث قابل للردّ أو القبول. فقلت: وهل رضيت بهذا الاحتيال الغاشم؟ والله ما سمعت بمثل هذا إلا في مقامات الهمذاني والحريري ! فقال: نعم رضيت وإليك التفاصيل...
انتابني غضب شديد أفرغته في رسالتين وجهتهما له عبر الماسنجر والواتس، ولو كان من أهل المروءة لخرّ صعقا، لكنه محتال محترف فلزم الصمت. لكنني سرعان ما وجدتني أضحك على نفسي وأستمتع بأنني وجدت من يحتال عليّ ! فقلت: ألن تقاضيه؟ فقال: هو أهون من أن ألاحقه قانونيا وأستوفي حقوقي منه، والأرجح أنه باع البحث على الفور للمؤسسة الحقيقية التي كلّفته به لينفق على نفسه وعائلته في زمن الكورونا، ولا أريد أن أفضحه بين الناس. لكن أكثر ما غاظني منه أنه يوشّح صفحته في الفيسبوك بعبارة (أن يحيا الناس أحرارا) وأنه أدرج على صفحته منشورا قال فيه: (الأسوأ من الكورونا صدماتك بكثير من الناس... الفيروسات القاتلة أرحم من كثير من البشر)!