Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Apr-2021

قراءة في رواية «اللجنة» لصنع الله إبراهيم

 الدستور-إبراهيم محمد أبو حمّاد

 
صنع الله إبراهيم روائي مصري مواليد 1937 درس القانون ثم الإخراج السينمائي في الاتحاد السوفيتي سابقا، ذو ميول يسارية، سجن خمس سنوات في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وإن فكرة الرواية كما ذكرها في حوار أدبي لمجلة أفكار الأردنية التي ألهمته كتابة الرواية في 168 صفحة هي مثوله أمام لجنة مكونة من اثني عشر عضوا لغايات امتحان قبوله في المعهد السينمائي في روسيا. إذ فشل في إجراء المقابلة حينما طًلب منه أن يمثل، فعاد حزينا كئيبا وابتدأ بكتابة ملخص الرواية في صفحتين، واتضح له أنه متأثر بكافكا في رواية المحاكمة، واعتبر أن الاشتراك في الثيمة من قبيل توارد الأفكار. إلا أن هذه الفكرة تحولت لمعالجة ظاهرة اللجنة الإمبريالية التي تحكم العالم
 
ويندرج السياق الثقافي التي كتبت فيه هذه الرواية بتراجع المد القومي العربي كحركة تحرر وطني، وتوقيع اتفاقية السلام فيما بين مصر وإسرائيل والانفتاح الاقتصادي في عهد أنور السادات؛ ولذا فإن هذه الرواية تنطوي على تناص بالفكر العبثي، وانعدام المعنى والحبكة التي تقتصر على سرد الأحداث في الرواية منتهجا أسلوب السرد الروائي الشخصي إذ يتوحد البطل والسارد والمؤلف في الرواية ومنه ينطلق مركزية التبئير وعليه فالسارد يروي الأحداث الذي يُعد صوت الأصوات، وما يتصل بها بالغير، ويستخدم ضمير الأنا بما يتعلق بذاته وضمير الغائب بما يتعلق بالغير، وإن الشخصيات مبهمة ويكتنيها الشعور بالاغتراب والتشيؤ فهي غير واضحة المعالم والأسماء في ظل غموض المكان والزمان الذي من الممكن الاستدلال عليه من ثنايا الرواية.
 
وينسدل في دلالاتها معان رمزية من جهة الزمن والوصف والحوار والسرد ويمكن توضيح ذلك بما يلي:
 
أولا: الشخصية:
 
إن الشخصية كما ذكر سابقا غير معلومة و غير نامية إذ لا تتطور مع الأحداث؛ فالبطل مثقف يحاول الاقتراب من السلطة لتحقيق ذاته بالعمل، إذ أصبحت خربة تبحث عن الاستقرار بوعي وبغير وعي، إلا أن هذا المثقف تنظر إليه اللجنة التي يمثل أمامها بنظرة عدائية، ولذا يدخل في صراع معها من بداية الرواية وهي علاقة غير متكافئة تنم عن محدودية قدرة المثقف على مواجهة السلطة، والتي إن اقترب منها ازداد اغترابا، وأما اللجنة فهي شخصيات رسمها الراوي بشكل عضوي خارجي يدل على تناقضات في شخصيتها، وهذا التناقض كفيل بأن يعمق الصراع مع البطل الإشكالي الذي يعاني من التمزق بين ذاته والموضوع فمثلا؛ يصف الشخص القوي في اللجنة بأنه عجوز ، والمتسلط بأنه متهالك، وهذه اللجنة نكرة ليتم تعميمها على أي سلطة تمارس القهر وتزعم احتكار الحقيقة.
 
ثانيا: الزمان:
 
إن الزمن الروائي غير متكسر ويتخلل هذا الزمن الروائي لحظات من الاستذكار كتذكره منزل الدكتور في بغداد، وإن زمن القصة يتشابك مع زمن الرواية فقد كتبت عن ذات الفترة الزمنية التي يسردها الراوي، أما زمن القراءة فهو ممتد للمسرود له سواء للراوي أو المتلقي.
 
ثالثا: المكان:
 
إن المكان في الرواية يضفي عليه الراوي التغريب فهو غير مألوف ويفتقد للخصوصية حتى في منزله وفي الشارع وفي مقر اللجنة، ولم يذكر هذا المكان بشكل صريح إلا أنه يستدل عليه أنه القاهرة وذلك من إشارته لميدان رمسيس.
 
رابعا: الرؤية السردية:
 
إن الرؤية السردية مصاحبة للسارد، إذ إن الراوي على علم بالسرد ومكوناته، فالسارد مصاحب لهم ويعلم ما يبدون في إطار السرد الخارجي.
 
وإن رؤية السارد تتصل بملاحظته للإمبريالية بمنظومتها الليبرالية وأذرعها السياسية والعسكرية والاقتصادية والتي تعمل على زيادة وتيرة تبعية الهامش للمركز؛ لذلك فهي تتضمن أفكار ما يسمى بالماركسية الجديدة ، لمواجهة حالة الاغتراب وعجز المواطن عن تحقيق ذاته وانهيار منظومة القيم وخراب الروح الإنسانية بسخرية لفظية، وموقفية لنقد وتعرية وفضح هذه الليبرالية، وبحوار ذاتي يعبر عن عجز المثقف عن التكيف مع السلطة التابعة للغرب الامبريالي مستخدما أساليب التهجين والتنويع والأسلبة لبيان جرائم الامبريالية والثقافة الأمريكية الزائفة ومخاطر الانفتاح الاقتصادي والشركات المتعددة الجنسية مثل الكوكاكولا بسرد إخباري لهذا التطور الإمبريالي ولسياسة الاحتكار بالعالم الثالث وديمومة التبعية للمركز وذلك لتعزيز المواجهة مع العالم الغربي الامبريالي والاستبداد في دول العالم الثالث.
 
وبذلك فإن الرواية تشكل وعيا مضادا للواقع الذي يعيشه الكاتب وطموحاته باستكمال مشروع التحرر الوطني من الامبريالية وللتخلص من حالة الاغتراب والتعبير عن كينونته ووجوده، في ظل العبثية التي تفرع العالم من المعنى، وذلك يتضح من خلال اللغة الساخرة الواردة في الرواية. ونهاية البطل بالتمرد على السلطة والحكم عليه بآكل ذاته. ليشير إلى حالة التآكل في دول الوطن العربي، وصراعاته الداخلية.