Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Mar-2017

أولئك الكبار - ابراهيم العجلوني
 
الراي - يذكر احمد حسن الزيات صاحب «الرسالة» أنه التقى مصطفى صادق الرافعي أديب العربية الأكبر في الأزمنة الحديثة في مقهى بالاسكندرية، وأن حديثاً ذا شجون قد دار بينهما عن معارك الرافعي الأدبية والفكرية، وان مما قاله الرافعي آنذاك: ان كتابي «تحت راية القرآن» جهاد في سبيل الله سبحانه، اما كتابي «على السفّود» فهو رجس من عمل الشيطان.
 
وفي الحق ان «تحت راية القرآن» قد تضمن فصولاً بالغة الأهمية في الرد على كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي» حيث بيّن الرافعي بما لا يدع مجالاً للشك تهافت اطروحة طه حسين الرئيسة في كتابه، كما بيّن ان مذهب الشك الديكارتي لا يسوّغ تلك الأطروحة بحال، وأن عميد الأدب العربي لم يأخذْ هذا المذهب على وجهه الصحيح، الى موضوعات اخرى تتعلق بمناهج التدريس في الجامعة المصرية التي تم انشاؤها اوائل العقد الثاني من القرن العشرين، ولا سيما ما تناول منها تاريخ الأدب العربي.
 
ولقد أثبت الرافعي في «تحت راية القرآن» كفايته النقدية وعمّق اطلاعه على جوانب من الفكر والأدب الغربيين (وقد تبيّن لدى الباحثين مؤخراً انه كان يتقن الفرنسية) الى جانب عمق درايته بالتاريخ العربي لأمّة العرب، فكان الكتاب أشبه شيء بمرافعة أدبية فكرية تستأهل أن توصف بأنها جهاد من الجهاد على حد قول الرافعي للزيات.
 
أما «على السفود» الذي نُشر منجماً من مجلة «العصور» التي كان يصدرها اسماعيل مظهر مترجم «أصل الأنواع» لداروين فهو غاية في القسوة على الرغم من اشتماله على نظرات بلاغية ما كان أجدرها بأن تحرّر من ألوان العنف التي مارسها الرافعي ضد العقاد، حتى إنه وصفه بالشاعر المراحيضي لمجرد ان احدى قصائده تدور حول طفل كان يلاعبه الشاعر فبال على ملابسه، وهو تجاوز من الرافعي استشعر هو فداحته حين وصف كتابه ضد العقاد بأنه «رجس من عمل الشيطان».
 
ومهما يكن من أمر جيل العمالقة هذا، وما كان يدور بينهم من صراعات، فان مما تفردوا به أنهم كانوا يقدرون بعضهم بعضاً، ولا تمنعهم المناكفات الدائرة بينهم من أن يشهد بعضهم لبعض بالفضل، على نحو ما كان من العقاد حين قال عن الرافعي بأن «هذا الكاتب يتفق له من أساليب البيان ما لا يتفق لاعلام البيان العربي في عصور ازدهاره» أو على نحو ما قال الرافعي في العقاد: «إنه كاتب كبير ذو عقل فذّ» وعلى نحو ما جاء في كتاب «كلمات» لطه حسين من رثاء حزين للعقاد، ومن استشعار لفقده، وتنويه بأثره البعيد في حياة مصر الفكرية وفي دنيا العروبة والاسلام.
 
كانوا كباراً فيما انطووا عليه من كفايات، وفيما حافظوا عليه من قسطاس في وزن بعضهم لبعض، وفيما خلّفوه لنا من دلائل على أهميّة النظر الموضوعي في تقييم الأشخاص والأفكار والمذاهب، ومهما يكن الأمر في معاركهم الأدبية وخلافاتهم فهي تظهرنا على جدّية اهتمامهم بالموضوعات التي يتناولونها، وبموسوعيتهم الثقافية وباقتدارهم البلاغي، وكل اولئك مما نحتاجه اليوم، ومما لا نكاد نجد مثيله الا على تباعد في الزمان والمكان.