Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-May-2021

مئوية الدولة الأردنية.. إنجازات في مسيرة الأغنية العربية

 الراي- زياد عساف

بألق حضورها وقفت فيروز على مسرح معرض دمشق الدولي في بداية الستينيات وأطربت جمهورها بهذا الموال الذي يحمل في ثناياه فلسفة عميقة للعلاقة ما بين الخبز والغناء:
 
"أنت وأنا عم يسألونا كيف
 
بنضل شو بيحلالنا نغني
 
ما بيلتقي مرات عنا رغيف
 
وبنعيش أطيب من الجنة».
 
«الرغيف والموسيقى» وضمن هذه الرؤيا الفيروزية هو العنوان الأكثر تعبيراً عن مسيرة الأردن الطويلة في الساحة الغنائية العربية وما قدمته من إنجازات على مدار مئة عام من عمر الدولة الأردنية، فدور الأردن في رفد الموسيقى والغناء العربي ورغم شح الإمكانيات وقتها كان أشبه بمن يملك رغيفاً واحداً فاقتسمه مع شقيقه وكانت المحصلة أعمالاً موسيقية وغنائية أردنية عربية مشتركة ظلت خالدة إلى الآن، ومن الجميل أن نستعيدها معاً وبداية نسمي بالرحمن ونحن على أعتاب مئوية الدولة الثانية آملين مستبشرين بإنجازات أردنية أخرى تساهم بنهضة ?نية وموسيقية للإرتقاء بذائقة الأجيال وعلى امتداد الوطن العربي.
 
العصر الذهبي..
 
«الزمن الجميل» وصف ارتبط بالعصر الذهبي للأغنية العربية بعد أن توفرت لها كل أسباب النجاح وفي مقدمتها الأخذ بالأعتبار بأهمية ودور الأغنية في بناء شخصية المواطن العربي على الصعيد الإنساني والوجداني ليصبح عنصراً فعالاً ومؤثراً في مشروع نهضة تجلَت ملامحها بفترة الخمسينيات والستينيات، لدرجة أن أصبح تنوع ألوان الغناء العربي أشبه بلوحة فسيفسائية كل جزء منها يكمل الاّخر وفصل أي جزء منها يُحدِثْ مشهداً منفراً يفتقد لحالة الإنسجام والتناغم.
 
ومن هذا المنطلق تميز كل بلد عربي وأبدع باللون الغنائي الخاص به، وعلى سبيل المثال فلقد أتحفتنا العراق بفن المقامات الغنائية وسوريا بالقدود الحلبية وبلاد المغرب بالموشحات الأندلسية وفي الخليج بأغاني البحر، ومصر بما يعرف بالدور الغنائي.
 
قرار سياسي..
 
المملكة الأردنية الهاشمية شكَّلت بدورها إضافة نوعية للأغنية العربية ما جعل لها خصوصيتها وهويتها المستقلة حين التزمت بإحياء التراث الغنائي الريفي والبدوي وكان ممن أوكلت لهم مهمة جمعه الشاعر الغنائي رشيد الكيلاني وتوفيق النمري وجميل العاص، وكان خلف هذا التوجه قرار سياسي من المغفور له الملك الحسين بن طلال تأكيداً على دور الأغنية كقوة ناعمة مؤثرة في وعي الأجيال والتزامها بقضايا الوطن، وكثيرة هي العوامل التي ساعدت على أن تفرض الأغنية الأردنية نفسها اّنذاك، ومنها القيم الإنسانية والوطنية المتجذرة في هذا التراث و?لمسها في كلمات الأغنية المعبرة عن أخلاق الريف والبادية،والعلاقات بين الأهل والجيران وجمال الطبيعة والحب النقي الذي يهدف لجمع إثنين غايتهما تكوين أسرة، وهذا ما نلمسه في أغنيات توفيق النمري وعبده موسى وسلوى واسماعيل خضر وفهد نجار ومحمد وهيب وميسون الصناع والقائمة تطول.
 
وبالتالي جاء الأداء متميزاً ومعبراً، فالفن في المقام الأول إحساس والتراث هو أصدق من يعبر عن إحساس الشعوب وفنونها وعدا ذلك فالمردود هو ضياع للهوية، وهذا ما حدث عندما هرب صناع الأغنية في السبعينيات إلى الأمام واختفوا وراء قناع ما يسمى الأغنية الشبابية المقلِّدة للاّخر بطريقة غير مدروسة حتى أصبح ينطبق على أصحاب هذا النهج القول العامي الدارج: «أجا يكحلها.. عماها!».
 
شواهد..
 
يحسب للمؤسسات الثقافية والفنية الأردنية استقطاب الموسيقيين والمغنيين من الدول العربية ومنذ فترة الأربعينيات، منهم الهواة الذين أصبحوا نجوماً فيما بعد وظلوا يشيدون بدور الأردن في هذه الإنطلاقة التي حققوها، ومنهم نجوم أضافوا بهذه المشاركة نقلة متميزة لمسيرتهم الفنية.
 
الشواهد على ذلك كثيرة فأروقة استوديوهات الإذاعة والتلفزيون المحلي لا زالت تشهد على التعاون الفني بين الأردن والأشقاء العرب، فمن ألحان موسيقيين أردنيين مثل: توفيق النمري وجميل العاص وروحي شاهين غنى نجوم الغناء والطرب أمثال: نجاة الصغيرة، وردة الجزائرية،عادل مأمون، اسماعيل شبانة، نازك، سميرة توفيق، هيام يونس، سعاد هاشم، طروب سهام شماس،وديع الصافي،هدى سلطان،كروان، سماهر وغيرهم كُثُر.
 
غندرة..
 
مجمل ما قدمه هؤلاء النجوم من أعمال كان من التراث الغنائي الأردني، وكلمات شعراء محليين متميِّزين أمثال: سليمان المشيني ورشيد الكيلاني وحسني فريز وخالد محادين وابراهيم مبيضين، ويحسب لصنَّاع الأغنية وقتها هذا التوجه با عتباره خطوة موفقة ومدروسة للترويج للأغنية الأردنية على الصعيد العربي وعدم حصرها ضمن حدود جغرافية ضيقة كما حصل في بعض الدول العربية، ومن الأمثلة على هذه المشاركات دويتو غنائي جمع عبده موسى مع هيام يونس بأغنية (جدِّلي يام الجدايل) و(يا طير ياللي طاير)، ومع عبده موسى أيضاً شاركت سهام شماس بأغنية (?ا دادا ليش ما تيجي حارتنا)، ومن ألحان توفيق النمري غنت هدى سلطان (مشتاقلك يا رفيق الروح)، ووديع الصافي: (حسنك يا زين) و(قلبي يهواها البنت الريفية)، ومن ألحان جميل العاص شدت طروب (غندرة مشي العرايس).
 
ومجرد المرور بجانب المدرج الروماني نستذكر الحفلات التي كان يقيمها فريد الأطرش وفرقة رضا للفنون الشعبية وغيرهم من أساطين النغم، والتوقف عند مسرح قصر الثقافة يعيد للذاكرة حفلات رائعة قدمها مطربون ومطربات احتلوا مكانة في قلوب الشعب الأردني والعربي ومنهم: جارة القمر فيروز وشادية وفايزة أحمد ومحمد رشدي ومحمد عبد المطلب وماهر العطار ومحمد العزبي ونجاة الصغيرة ولبلبة واحمد غانم وسيد الملاح وتستوقفنا صالات سينما وسط البلد التي غنى على مسارحها محمد طه وعمر الجيزاوي وحسني الشريف وليلى جمال.
 
سهرة الخميس..
 
لم يبخل التلفزيون الأردني على إمتاع مشاهديه ومنذ تأسيسه عام 1968 بمجموعة من السهرات الغنائية التي استضافت نجوم الغناء العربي، منها البرنامج الأسبوعي (سهرة الخميس)، وتسجيل حفلات غنائية لفهد بلان ودلال الشمالي والثلاثي المرح ومحمد طه وثلاثي أضواء المسرح وسيد الملاح.
 
الأغنية الإستعراضية التلفزيونية كانت واحدة من الإنجازات الأردنية الهامة على مستوى الدول العربية وبدأها المخرج حسيب يوسف منذ أوائل السبعينيات ومنها:
 
(عالم الإستعراض) 1973 وقدمه الفنان عبدالمنعم ابراهيم واستضاف من خلاله نجوم الغناء العربي وسجلوا عبر هذه الحلقات فقرات غنائية استعراضية تعتبر إضافة أخرى لفن الغناء العربي وكان من ضيوف هذا البرنامج: محمد عبدالمطلب وليلى نظمي وشكوكو وسميرة توفيق وفهد بلان، واخرج يوسف بعدها برنامج (زائر المساء) 1975 وليالي القمر 1977 تقديم الإعلامية نجوى إبراهيم، وتبعها ببرامج إستعراضية أخرى قدمها نجوم الإعلام والغناء في الوطن العربي أمثال: إحسان صادق وسناء منصور وفريدة الزمر وحسين فهمي، وفي عام 1986 قدم التلفزيون الأردني البر?امج الإستعراضي (أيام ع البال) للمخرج مشهور الحديد وتقديم الإعلامي مروان صواف ضم البرنامج مشاهير الغناء والطرب وكان هذا البرنامج بداية إنطلاق حميد الشاعري وعمرو دياب.
 
مهرجانات..
 
عام 1981 كان الحدث الأبرز على صعيد الموسيقى والغناء العربي وجاء من الأردن بانطلاقة مهرجان جرش الأول الذي استمر لغاية الاّن وحقق حضوراً عربياً وعالميا، فعلى مسارح جرش غنى أساطين الغناء العربي أمثال: فيروز ونجاة الصغيرة وصباح فخري وكاظم الساهر وهاني شاكر وصوفيا صادق وربيع الخولي،ومنه كانت الإنطلاقة الحقيقية للمطربة ماجدة الرومي عندما أعادت بصوتها أغنية عبد الحليم حافظ أنا كل ما اقول مع أدائها التعبيري الراقص.
 
وللغاية ذاتها وعلى غرار مهرجان جرش تم تأسيس مهرجانات غنائية أخرى مثل: مهرجان الفحيص ومهرجان
 
الأزرق ومهرجان قصر شبيب.
 
مهرجان أغنية الطفل العربي..
 
أشبه بحالة من اليتم عاشتها أغنية الطفل العربي بعد وفاة محمد فوزي الذي قدم ثلاثة أعمال متميزة في هذا المجال: ماما زمانها جاية، ذهب الليل وهاتوا الفوانيس، ولا ننسى أيضاً أغنية شادية: سيد الحبايب وصباح: حبيبة أمها.
 
الأردن حمل الشعلة وأكمل هذه المسيرة ولم يتوقف ذلك على تبني التلفزيون لتسجيل أغنيات متميزة للأطفال للفنان السوري محمد ضياء الدين الرائد في هذا المجال، وإنما بتأسيس مهرجان أغنية الطفل العربي في أوائل التسعينيات وبمشاركة سنوية للعديد من الدول العربية وضمن مسابقة وجوائز محلية وعربية لأفضل الأغاني المصاحبة لرقص الأطفال التعبيري وحملت هذه الأعمال مضامين تربوية ووطنية لتحقيق التنشئة الصحيحة والسيلمة للأطفال.
 
موسيقى القوات المسلحة..
 
مئة عام مضت على تأسيس موسيقى القوات المسلحة الأردنية، وهي واحدة من العلامات المضيئة في تاريخ الموسيقى العسكرية العربية والعالمية، وكان لها مشاركات في العديدمن الدول الأجنبية أذهلت جمهور المتابعين والمشاهدين في تلك البلاد، أما على الصعيد العربي محور هذا البحث فلقد كانت موسيقى القوات المسلحة ولا زالت تقدم المقطوعات الموسيقية من التراث الغنائي الأردني والعربي وبالتالي ومن خلال مشاركاتها العالمية كانت خير سفير للموسيقى العربية، يضاف لإنجازاتها تدريبها وتأهيلها لفرق الموسيقى العسكرية للعديد من البلاد العربية، ومن المحطات الهامة لفرقة الموسيقى العسكرية أيضاً مشاركتها في مغناة (يا أيها الملك الأجل) عام 1992 شعر محمد مهدي الجواهري وغناء صوفيا صادق ولحن جمال سلامة.
 
ليلة قرشية..
 
الحديث عن الموسيقى العسكرية يأخذنا بدوره للأغنية الوطنية الأردنية وارتباطها في البعد القومي العربي، وليس أدل على أهمية الأغنية الوطنية من الحكاية المعروفة لكثيرين عندما تم إرسال دورية لإحضار الموسيقار الأردني جميل العاص في يوم من عام 1971 وبأمر من رئيس الوزراء السابق المرحوم وصفي التل ليوكل له مهمة تلحين الأغنية الوطنية (تخسى يا كوبان) وعلى وجه السرعة وكان الدافع لذلك مستجدات فرضتها طبيعة الأحداث السياسية اّنذاك.
 
التغني بالأردن وأمجاده بأصوات عربية كان واحداً من الحالات التي جسدت أهمية الغناء كجامع وغير مفرق بين شعوب المنطقة، ولأن الحب يقابل بالحب فلقد عبر العديد من المطربات والمطربين العرب عن حبهم للمملكة الهاشمية، وفي كل لقاء يجمعني بالموسيقار محمد سلطان في مصر أو من خلال المكالمات التليفونية يعبر عن شعوره بالإمتنان لما لقيه وزوجته المطربة فايزة أحمد من تكريم المغفور له الملك حسين وتضمنه دعوة شخصية لهما على الغداء عندما حضر مع فايزة للأردن عام 1975 لتقدم بصوتها ومن ألحانه قصيدة (ليلة قرشية) بمناسبة عيد الحسين الأ?بعين. وحباً في الأردن عبَّر فريد الأطرش عن رغبته في الحصول على الجنسية الأردنية وكان له ذلك.
 
حصاد ورماح..
 
ولا يختلف إثنان عن صدق الإحساس والأداء في صوت فيروز وهي تتغنى في الأردن وعاصمتها عمان: حكايات الأردن حصاد ورماح، أردن أرض العزم، عمان في القلب هذا الضحى، وللإنتصار في معركة الكرامة غنت فيروز قصيدة (القصة الأخيرة) ومن كلماتها:
 
"ويكتب الأردن بذهب الكرامة.. بالعز بالشهامة.. تاريخاً كبيراً.. يكتبه الأردن»، وهذا هو لسان حال المطربة نجاة الصغيرة في أغنياتها الجميلة: عمان، نحبه وترويدة الأحرار، وكما روي عن نجاة الصغيرة ومن باب العرفان والامتنان تخليها عن الأجر مقابل الحفلات التي أقامتها على مسارح المملكة الأردنية الهاشمية.
 
القدس ديرتنا..
 
وعلى رأي المثل (كل شيء قرضة ودين حتى الدمع بالعين)، وكما تغنى نجوم العرب بالأردن، كان للأخيرة مساهماتها بالتغني في الأقطار العربية وغنت للعراق وسوريا والخليج، وخير مثال على ذلك نشيد (علُّوا الراية العربية) الذي تغنى بكل الأقطار العربية، أما فلسطين فكان لها خصوصيتها في الأغنية الأردنية نظراً لطبيعة العلاقة الراسخة منذ القدم ويكفي الإشارة بأن من جمعوا تراث الغناء الأردني ساهموا بالوقت نفسه بجمع التراث الفلسطيني نظراً لحالة التداخل والتمازج في المفردات والعادات والتقاليد على الصعيد الإجتماعي والسياسي والقضايا?المشتركة، والمدن الفلسطينية كان لها حضورها الراسخ في الأغنية الأردنية وفي مقدمتها القدس التي تغنى بها توفيق النمري:
 
«القدس ديرتنا منها عشيرتنا
 
لاجلها نحارب
 
شدِّوا لها شدِّوا وباسم الوطن مدِّوا
 
وعلى العدا كدِّوا فوق النِدايبْ
 
يا ربعنا سيروا وعلى العدا غيروا
 
وتحزموا وطيروا وجوه القرايب».