عمان- الغد – یسعى جلالة الملك عبد الله الثاني بصورة واضحة وحثیثة خلال لقاءاتھ بالكتل النیابیة، التي كان ثاني اللقاءات بھا یوم أمس مع كتلة وطن، إلى الدفع باتجاه تطویر عمل الكتل النیابیة وتحفیزھا لتحتل موقعھا الحقیقي بالعمل البرلماني والسیاسي، ما ینعكس بالمحصلة لیس فقط على الكتل وحضورھا، بل على مجمل العملیة السیاسیة والإصلاح الوطني المنشود.

لم یعد خافیا بل وقیل الكثیر عن الضعف الواضح في العمل الكتلوي في مجلس النواب، لیس المجلس الحالي فقط بل أغلب المجالس النیابیة منذ عودة الحیاة الدیمقراطیة للمملكة العام 1989 ،حیث ما تزال الكتل ھلامیة في عضویتھا وما تلتقي علیھ، ولا یحكم الكتلة الواحدة في الأعم برنامج ورؤیة سیاسیة واحدة، یلتقي علیھا أعضاؤھا وتحكم أداءھم وعلاقاتھم بباقي كتل المجلس ومع السلطة التنفیذیة.

وحتى المواقف المشتركة للكتلة النیابیة الواحدة، التي یفترض توفرھا في محطات الثقة النیابیة بالحكومات والتصویت على بعض التشریعات والقرارات الرقابیة، تكاد تغیب بصورة تامة عن أداء الكتل النیابیة، حیث یعود كل نائب في ھذه المحطات الى موقفھ وقراره الخاص، بعیدا عن رؤیة سیاسیة وبرامجیة مشتركة مع باقي أعضاء الكتلة.

لا شك أن الوضع المثالي والذي یستقیم بموجبھ العمل الكتلوي البرلماني ھو في قیام الكتل النیابیة على أسس حزبیة سیاسیة، لكن ذلك ما یزال غیر متوفر في ظل استمرار آلیات الانتخاب ونظامھ بصورة غیر صدیقة للأحزاب من جھة، وأیضا لعدم قدرة الأحزاب، لأسباب كثیرة، على فرض حضورھا والحفر بالشارع وحمل مرشحیھا الى مجلس النواب، وتمكینھا لاحقا من بناء كتلھا النیابیة وأن تأتلف مع غیرھا وفق توافقات ومقاربات سیاسیة وبرامجیة.

لكن إلى حین الوصول إلى الوضع المثالي المذكور، وفي الطریق إلیھ، مطلوب من النواب والكتل النیابیة تقدیم مقاربات وآلیات جدیدة لعملھا وتشكلھا وائتلافھا، وان تتجھ حقا الى اعتماد

البرامجیة في عملھا، وان تقدم خططھا بكل القضایا والقطاعات وعدم الاكتفاء برفع الشعارات والعمومیات وھي تشتبك مع ما تطرحھ الحكومات من برامج وخطط وقرارات وتشریعات.

في ھذا السیاق، جاء التوجیھ الملكي واضحا، عندما شدد جلالتھ، خلال لقائھ كتلة وطن امس، على ”أھمیة أن تركز برامج الكتل أیضا على التحدیات المرتبطة بقطاعات مھمة كالتعلیم والزراعة والصناعة، والعمل على النھوض بالواقع الاقتصادي“. مؤكدا جلالتھ ان ”أھم شيء ھو خدمة الأردنیین، وتحسین أوضاعھم المعیشیة، وأن یكون تطویر الحیاة السیاسیة وتحقیق التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة في مقدمة أولویات وبرامج وخطط الكتل النیابیة“.

ولا یوفر الملك فرصة الا ویغتنمھا لتحفیز الكتل النیابیة على بناء برامج سیاسیة واقتصادیة واجتماعیة، وحثھا على التعاون مع الحكومة لإنجاز البرامج والخطط، إلى جانب قیام الكتل بدورھا الرقابي والتشریعي.

الجناح الآخر، الذي یحمل عملیة الإصلاح السیاسي والبرلماني إلى مرحلة متقدمة، ویركز علیھ جلالة الملك في توجیھاتھ الدائمة وأوراقھ النقاشیة، ولقاءاتھ بالكتل النیابیة، ھو العمل الحزبي وضرورة تطویره والارتقاء بھ.

الملك دعا في غیر مناسبة الى ائتلاف الاحزاب السیاسیة والى الوصول الى مرحلة تشكیل أحزاب قلیلة وكبیرة، تمثل كل منھا طیفا سیاسیا، بما یرتقي بالعمل الحزبي ویقویھ، ویمكنھ من جذب مناصرین وقواعد تمكنھ من الوصول عبر الانتخابات النیابیة إلى قبة البرلمان، وتشكیل كتل نیابیة وازنة وبرامجیة.

إن كان ھدف الجمیع في بلادنا ھو الوصول الى الشكل الأرقى من الدیمقراطیة وتداول السلطة، عبر تشكیل حكومات برلمانیة تواجھھا حكومات ظل برلمانیة معارضة، فإن الطریق الى ذلك ھو بالارتقاء بالكتل النیابیة والاحزاب واعتماد البرامج والخطط المتنوعة والشاملة للقضایا والتحدیات التي تواجھنا وبما یحقق مصلحة الوطن والمواطن.