Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-Jan-2017

إعلام عربي بديل - ابراهيم العجلوني
 
الراي - توزّع المذيعة التلفزيونية بالغة اللمعان, وقد خرجت لتوها من صالون التجميل, الكلام بين ثلاثة خبراء سياسيين, من ثلاث عواصم عالمية, تملأ صورهم المباشرة مساحة الشاشة الصغيرة, ممهدة لهم بأسئلة حافلة باللحن والعجمة (ولا عليها ان تلحن فليس على المطرب أن يعرب, ولا بأس عليها من العجمة فهي زهو المجالس ايامنا هذه وفخر المتشدقين).. توزع المذيعة الحسناء اسئلتها الناعمة حول الاحداث الدامية في هذا البلد العربي أو ذاك, فاذا السادة الاذكياء يتبارون في التحليل والتعليل والتأويل واذا هم يسحرون ألباب المشاهدين بما يلقونه من عصي تذاكيهم وحبال عبقرياتهم, واذا الصور الجانبية المصاحبة لاقوالهم والتي تستعرض الاطلال والجثث والدماء في مدائن العروبة والاسلام تزيد هؤلاء المشاهدين ذهولاً. واذا نحن في الجملة امام عملية مبرمجة لتخدير الوعي العام للامة او لتضليله أو للتهويم به خارج حقائق الاشياء حتى لا يتبين منها الا ظلالاً شائهة وأخيلة تائهة, واذا نحن أمام حالة عجب من التواطؤ المعرفي والاخلاقي, ظاهرها وفرة المعلومات وكثرة الانظار وباطنها تعزيز الجهل القاتل بما هنالك, احداثاً ومؤامرات وخططاً وسيناريوهات, او التدليس والتلبيس على الشعب العربي في جميع اقطاره, حذر ان يفهم ما يجري على حقيقته, او ان يعلم ما يراد به من المتربصين بابنائه كافة. او ممن يدمرون اقطاره قطراً قطراً, ويمهّدون للصهيونية فيها تمهيداً, ويمكنون لها في الانفس والاذهان والواقع المشهود تمكينا.
 
تقليد إعلامي مردت عليه الفضائيات المتكثّرة يستهدف تطويح الوعي بعيداً وتخدير الضمير بحيث يزاوران ذات اليمين وذات الشمال عن طبيعة الصراع في المشرق العربي الاسلامي (الذي يسمونه الشرق الاوسط), وبحيث يظلاّن في غطاء عن اصوله التاريخية. 
 
فاذا نظرنا الى ذلك كله مقروناً بما يمارس من خداع ذاتي على مستوى الفكر والادب والفن, وبدعاوى الانخراط (او الانصياع) للعولمة الثقافية, وبما تتهافت به اجيالنا الجديدة من مضاهأة ذاهلة لأسوأ ما في حضارة العرب, وباضطراب مناهجنا الاكاديمية وشيوع امية حملة الالقاب والاجازات وبفساد الاخلاق واهتزاز القيم, وبغياب وعي الذات والسمات, وبألوان الغلو الايديولوجي والتشنج العلموي قصير النظر والانغلاق الطائفي..
 
اذا نظرنا الى ذلك كله مجتمعاً, والى ما تقوم به الفضائيات وغير الفضائيات من مزيد تثبيت له في سياق الدعوى الكاذبة بالفهم والافهام, فإن محصلة ما ننتهي اليه هو ضرورة أن يقوم فينا «اعلام بديل», غير موظّف, ولا مستلب, ولا محمول على معنى «الطابور الخامس» الذي كثرت فينا صنائعه وتمادت فظائعه وأوشك أن يأفكنا عن حقائقنا وحقائق الآخرين في آن.