Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Sep-2017

الممحاة والماحون - م. باهر يعيش
 
الراي - قطعة من أيّ شيء لدن سهل التّشكيل لا إحساس فيها, تستعمل للحكّ للشّطب والمحي حتى ولو على حساب نُتيفات فتائل تنسلخ عن جسمها تتفتّل كجسد صاحب لها قد يكون لم ينله التفتيل منذ عقود. جسمها لا روح فيه. في الأغلب من مطاط(كاوتشوك) بوجه كاوتشوكي كالح مالح جامد ممجوج فاقد الحياء والأحساس لا يندى له جبين.لا تكلّ لا تملّ إلّا عندما تذوي تذوب وتتلاشى لتأخذ غيرها دورها كممحاة. لها وجه ولسان يَمحو قوًلا فعلًا جهدًا تاريخًا حضارةً. قاسي القلب والملامح كثير القبائح والفضائح. لا يعبأ بتاريخ بجغرافيا بإنسانية بصداقة بعشرة بمودّة. الخبز والملح لا مكان لها في قاموسها ولا قاموس من يستعملها من يديرها من قساة القلوب ضعاف النّفوس. من لا مقدرة لهم على الإبداع الإنتاج وبذل جهد الذّات بالذّات وللذّات. من لا ثقة لهم في أعمالهم وأقوالهم, من سيخسرون الرّهان إذا ما عُرضوا أمام الحقيقة والقوم سويّة مع من محوا أنجازاتهم للحكم بين الفريقين على ما جنوه إن خيرًا وإن شرًا، حين تفضح الصّحائف البيض ناصعة البياض، قلب السّواد في الصحائف السوداء. الممحاة في اليد الخطأ في الإستعمال الخطأ تترك سوادًا و زيفًا كوجه من يحكّ بها بدل أن تترك بياضًا بحقائق ناصعة نتيجة محو خطأ أو مظلمة.
 
الممحاة...خرساء صمّاء عوراء بكماء لكنّها تنطق بلسان حال ناكري أعمال الناجحين, ضعفاء يخيفهم يقلقهم أن تهزّ تفضح السيرة العطرة لمن خلفوه، أن تهزّ مآثره وعظم أعماله صورته في موقعه، تكشف عوراته عثراته وفراغًا كبيرًا في كهف جمجمته. يعتبرها كابوسًا تهديدًا. يخشى ويرتعب من طيف مضى, فيبدو كذبابة في صحن من لبن ينكشف ضعفه وسوء حاله. قد تجدهم في أيّ موقع: في قيادة في إدارة اقتصاديّة سياسيّة تعليميّة تثقيفيّة تجاريّة حقوقيّة هندسيّة صحيّة, في شركة في جامعة مدرسة حضانة جمعية خيريّة أو...لا خيريّة, في دكان مقهى غرزة أو...باص على خط قرية.
 
من مبدأ الخوف والقلق وعدم الثّقة بالنّفس, يخشى هؤلاء افتضاح الهوِّ في منجزاتهم وحقيقة مكوّناتهم، فيشرعون بالمحو. وكأنّ التاريخ يمحى إن لم يكتب على صحائف من ورق، وقد نسوا النشور في صحائف ألسنة البشر وذاكرتهم في صدورهم وما ينحت على الحجر والصّخر وجناح طائر الزّمان. وأنّ أفعالًا لمجتهدين لمؤثّرين في كلّ حقل من حقول الإنجاز الحضاري والمعرفي الإنساني الإجتماعي والقيادي(تتحدّث عن نفسها) بلسان حالها. ليس لها أسطر تمحى كلماتها, بل ألسن وذاكرة لا تمحوها ألف ألف ممحاة. في عرفهم لا صحائف تاريخ ولا جغرافية تتّسع لإثنين. وهل يجتمع البياض والسّواد, الكرم والبخل, الإيثار وعشق الذّات, الحبّ والكراهية، الشّجاعة والإقبال والجبن،الذّكاء و...الغباء؟!
 
يفوز بمقعد بعد أن رحل من كان عليه, طار نُقل تقاعد أو تُقوعِدَ أو رُحِّل...لا فرق.يبدأ في العمل بجهد لا يضاهيه جهد,لا لصالح المسؤوليّة التي شاء الجزء المعتم منها أن يوليه أيّاها حلالًا أم حرامًا,بل لمحو شطب تمزيق حرق نسف قلع نصوص الأعمال الطيّبة الأنجازات المؤثّرة وعلامات النّجاح التي صبّت في ميزان حسنات من سبقه, يمحوها حرصًا على عدم تمكين حكم الخلق والتاريخ على سوء أفعاله وفراغ مكوّنات عقله وتفاهة إنجازاته من النفاد عند العرض. يشرع منذ البدء يقيل يضايق يفزع ينقل يرحّل المخلصين النابهين, من ساهموا في إنجاز من سبقه, ويأتي بغيرهم على مقاس بنصره وعُقل أصابعه وظلّه في حالة غيابه. أمّا الشواهد العظيمة ممّا لا قدرة له على محوها, فيشوّهها.يجنّد محترفي التّشويه وتزوير التاريخ لتشويهها، بقلب الحقائق وتزوير النّصوص. يجعلون من الصغير عملاقا ومن الكبير قزما فزّاعة كأنّه ما كان.
 
في عصرنا كما في عصور خلت وستخلو, وفي مواقع وأمكنة ومسؤوليّات شتى كبرت أم صغرت، نجح البعض في فنّ استعمال الممحاة في أوانه في فترة قضاها مسؤولا في موقعه لكن,هل لأحد ديمومة سوى لسبحانه!!بمجرّد ذهابهم إختفائهم,تعود الأفعال العظيمة والسيرة العطرة لمن محيت زوّرت شوّهت إنجازاته من المخلصين النابهين العاملين الفاعلين إلى الظهور من تحت فتائل الممحاة كطائر الفينيق لا تحرقه نار ولا ممحاة سخيفة من مطّاط كذمّة مستعملها.أو...بل وحتمًا سيظهر من يتقن فنّ المحو يخلفه ،يمحو إسمه أفعاله آثاره كأنه لم يكن ،وعلى نفسها جنت براقش العصر وكلّ العصور(الماحي و...الممحاة)و...هل يصحّ ألّا الصّحيح ؟!
 
mbyaish@gmail.com