Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Nov-2017

الفلسفة مرة أخرى.. وليست الاخيرة - د. زيد حمزة

الراي -  لقد فطنت اليونيسكو وهي المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم منذ وقت طويل لتدهور أحوال الفلسفة في العديد من الدول الاعضاء فيها وحاولت بمختلف الوسائل المتاحة التي تسمح بها أنظمتها أن تنبه لخطر هذا التدهور وان تحذر من عواقبه حتى أنها قررت قبل خمسة عشر عاماً تخصيص السادس عشر من تشرين الثاني من كل عام يوما سمّتهُ (يوم الفلسفة العالمي) للاحتفاء بقيمها العظيمة والتذكير باهميتها البالغة في النهوض الحضاري للامم وأعطائها الدور التنويري القمينة بالقيام به على افضل وجه، وقد كان الاردن احدى تلك الدول التي غابت الفلسفة عن ساحاتها التعليمية لما يقرب من نصف قرن منذ تمكن تيار الفكر المتعصب من التسلل الى عقول النشء الجديد كما تسلطَ قادتُه على مؤسسات التعليم العام والخاص مغتنمين فرصة الهزيمة التي رانت على روح الأمة في حزيران 1967 فألغوا التعليم (المتواضع أصلاً) للفلسفة في مناهج المدارس ثم استطاعوا تحجيمه في التعليم العالي حتى ان جيلاً اردنيا بكامله لم يقرأ قراءةً متأنية الفلاسفةَ الافذاذ في تاريخ البشرية منذ الحضارة الاغريقية كسقراط وارسطو وافلاطون مروراً بالحضارة العربية الاسلامية كالكندي وابن سينا والفارابي كما ابن رشد في الاندلس وصولاً الى اوروبا كديكارت وكانْتْ وماركس، أللهم إلا عرضاً وسطحياً في المصادر الخفيفة الدارجة !

إذ كانت مجرد الاشارة الى أولئك العباقرة الخالدين او الاستدلال بآرائهم النيرة وآثارهم الجليلة ضرباً من المجازفة قد تفضي الى الوصم بالهرطقة والشرك، ومع ذلك لم يتوقف طوال الوقت نضال المثقفين والناشطين على اختلاف عقائدهم السياسية والاجتماعية عن الدفاع عن الفلسفات المختلفة وضرورة تدريسها في مدارسنا وجامعاتنا لتبيان قدراتها الفائقة ودورها الاساسي في تطور المعارف الانسانية العامة ، وقد بدأ هذا النضال يتكلل تدريجيا ببشائر النجاح الأوّلي ويتحقق له بعض الظفر الصعب مع تفجر الثورات العربية في عام 2011..
 
الخميس الماضي (16/ 2017/11 (عقدت كلية الآداب في الجامعة الاردنية وقسم الفلسفة فيها ندوة بمناسبة الاحتفال بيوم الفلسفة العالمي تحدث فيها رئيس الجامعة الدكتور عزمي محافظة فقال عن الفلسفة: ((كم ظُلمت وعانت من الاهمال والتهميش في نظامنا التعليمي بالرغم من انها عملية تشمل التحليل والنقد والتفسير والتأمل ونحن احوج ما نكون لها جميعاً )) وهو ما كنا نردده على مدى عقود من الزمن الضائع حين كنا شهوداً حزانى على تغييب الفلسفة عن فضاء جامعتنا الاولى وسط سخرية مكتومة او معلنة من قبل زميلاتها جامعات العالم.
 
ومضى الاستاذ الرئيس متسائلا (كيف تخلو مناهجنا والمواد التي يدرسها طلبتنا في الجامعة من مادة اجبارية واحدة في الفلسفة وهي التي تجسد عملية تفكير شاملة وتوفر تحليلاً يغطي جميع التخصصات من اجل تحسين فهم عالمنا وتحديد استجابات مناسبة لما نواجهه من التحديات المتعلقة بالاخلاقيات والعدالة ؟ وهل من شك بان مسائل التفكير النقدي والاستشراف والمنطق تعتبر عناصر مهمة جداً لبناء مجتمع سليم؟) ثم استدرك آخر المطاف ليبشرنا بأن الفلسفة عائدة الى موطنها وعلى اوسع نطاق اعتباراً من العام القادم..
 
( إن الجامعة الاردنية وانطلاقاً من وعيها باهمية التطوير والتجديد في برامجها وخططها الدراسية ولكي تواكب متغيرات الحياة والعلم والفكر فقد قررت تدريس مادة (مقدمة في الفلسفة والتفكير الناقد) كمتطلب اجباري لجميع الطلبة والملتحقين بالجامعة بدءاً من العام 2017/ 2018 استشعاراً صائبا منها لاهمية الدرس الفلسفي في تنمية عقول ومدارك طلبتنا وتحفيزهم على التفكير المنطقي في مواجهة قضاياهم ومشكلات وطنهم ومجتمعهم وامتهم والانسانية بشكل عام، ونحسب ان هذا يترجم افضل احتفاء بالفلسفة نقوم به في رحاب الجامعة الاردنية..).
 
لقد استمعت جيداً لكلمة رئيس الجامعة واستمتعت بما جاء فيها من كلام صادق أمين ثم قمت بقراءتها بتمعن بعد ان زودني بنسخة منها بناء على رغبتي، فلا عجب إن انا طالبت بتعميمها كاملة على جميع الطلبة تمهيداً لنشاط قادم أقوى وأغزر في مجال العلوم الفلسفية..
وبعد.. تحية للجامعة الاردنية ولكل الذين سعوا وكافحوا من قبل ومن بعد لعودة الفلسفة اليها والى حياتنا.. وفي انتظار ان تحذو جامعاتنا الاخرى حذوها فاننا واثقون ان مدارسنا ايضاً سوف تحظى بمثل هذه النقلة الحضارية حين تتحرك بدورها وزارة التربية والتعليم فتصدر بالتوازي قرارها الشجاع الضروري ، وإنه لعَمري قرار وازنٌ عظيم التأثير..
*********
ملاحظة: ان تاريخ صدور قانون الاحوال الشخصية بالعراق في عهد عبد الكريم قاسم هو 1959 وليس 1955 كما جاء خطأً طباعياً في
مقال الاسبوع الماضي.