Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Jun-2020

تأملات في المجموعة القصصية «المعطوب» لحنين خالد

 الدستور-القاص أحمد أبو حليوة

 
حديقة ومقهى وشوارع الإسفلت وجبل اللويبدة... بعض مكونات إهداء سيأخذك إلى الكثير في كتاب وسمته مؤلفته أنه قصص ونصوص، تتداخل ببعضها بعضاً في ثمانية وخمسين عملاً، تتوزع على مئة وسبع صفحات من القطع المتوسط، في ذكاء أولي للخروج من معضلة النقد حول ماهية التجنيس، وقبل ذلك الصدق مع النفس في التعامل مع النص لحظة الإلهام وتركه على سجيته القصصية أو النصية.
 
وفي القصة الأولى من الكتاب «المعطوب» تلجأ المؤلفة إلى توضيح الفرق بين القصة والنص الأدبي بشكل عميق وصادق لا تقوى من خلاله إلا التفكر والتأمل بكلّ كلمة قيلت حول هذا الموضوع وفق رأي الكاتبة الشخصي الذي أحسنت سبكه، وإضاءة النور في ذات الوقت على خبايا نفس الكاتب والفنان في آنٍ معاً خاصة إذا ما غزاه العشق على حين غفلة منه.
 
في قصة «مازلت أذكر» تستعيد البطلة حكايتها بعد مرور الأيام وسقوطها في أتون الندم الصامت بعد انفصالها عن زوجها الذي كانت تحبه لترتبط بآخر لا تحبه، وحدوث ذاك الصراع النفسي العميق، الذي يفضي إلى كفن من «دموع الألم» وتابوت من «الحسرة والأحزان».
 
وأما «مسافة وزمن» فبالرغم من بدايتها القصصية القوية إلا أنّها انعطفت نحو الذاتية بشكل واضح، وظهر فيها صوت الكاتبة عالياً عابقاً بالنبض والاعتراف»أحبك» في ثنايا نص و»حبيبي» في عنوان نص آخر، وذات الأمر حدث بالنسبة للعناصر القصصية في قصة «فلورنس» التي حقّقت العناصر ولكن بشكل خبري افتقد إلى عمق القفلة والإدهاش، مكتفياً بذكر الحادثة على شكل يشبه الذكرى.
 
وفي «الصمت» تعرف الكاتبة الصمت برؤيتها الشخصية العميقة وتقصّ لنا الحكاية بأسلوب شيق، ولكنها تتركنا على صليب التساؤل إذ «ثمة أمور في الحبّ كما في الحياة لا نتوقعها».
 
وفي «اجتياح» يجتاحك ذاك الشعور الرطب وأنت ترى ذوبان الغروب في البحر، وترى في ذات الوقت بطلة اللوحة و فراشة المشهد تبتسم وهي «مبتلة القميص والشفاه والقدمين».
 
«امرأة بين الواقع والخيال» نص تكتبه امرأة عالية الإحساس بالآخر، بل وتقمص حالة نبضه ومحاولة الوصول إلى ما يريح فؤاده بعد طول نكبات ونكسات.
 
وأما الغريب فهو أن ينتهي نص بعنوان «إجابات محيرة» بمجموعة من الأسئلة، وكل ذلك في حبكة قصصية تأبى المؤلفة اكتمال عناصرها ولكنها تبقي على جمر بطليها الاثنين.. هو وهي، ومع ذلك تجيد بجدارة فن القصة في «سفر» وإن انتهت بنهاية مطروقة من خلال اكتشاف أن كلّ ما حدث مجرد كابوس لا أكثر، إلّا أنّها استطاعت أن تشدنا لأحداثه بالفعل، ويتصبب عرقنا مع بطلته وشعورنا بثقل الصمت الذي أحسّ به البطل أيضاً، لتنقلنا إلى جماليات الشوق من خلال قصة «شوق» التي فيها ترصد الحدث الوطني بطريقة عاطفية وإنسانية رائعة مسهبة في وصف الحالة، مقتصدة في المباشرة ومكتفية بالتلميح العميق.
 
في «يقظة حلم» يختلط الواقع بالحلم وتارة يكون المشهد هذا وتارة تكون الحالة تلك، وكلّ ذلك ضمن وصف ساحر وقفلة مدهشة.
 
وفي «طفلة الشارع» كان الانحياز الكامل لهذه الفئة المسحوقة، ووصف واقعي لما تتلقاه من معاناة جسدية وما يعتريها من ألم نفسي.
 
وتبدع الكاتبة حنين خالد في نصوصها وقصصها القصيرة جداً المكونة من بضعة سطور والتي لا تتجاوز الصفحة، مؤنسنة الأشياء كما في الإسفنجة والبحر في «عشق» ومؤثثة لها باتقان وإيجاز في «سراب» ومثيرة في طرح الفكرة والعبارة في «بوح» ومؤلمة التساؤل «ألا زلت على قيد الحياة؟!» في «فقد»، التساؤل بل التساؤلات «-لماذا، كيف، متى؟!» التي تعود بعد صفحات على شكل «ذكرى».
 
ومن يقرأ المعطوب يلحظ أنّ المؤلفة متألقة التعبير في «انتظار»، وهو يقرأ هذه العبارة الأدبية الفنية: «هو وظلّ مطروح على شفاه الطرق الخالية «بل والذهاب إلى الرؤى الفلسفية من خلال هذا التساؤل: «مَنْ؟» وهو عنوان نص، سبقه نص آخر حمل عنوان «شيطان» حيث جاءت الفلسفة فيه بشكل شفيف، في حين ظهرت واضحة في نص «حياة» لأنه يختصر الحياة والموت على شكل سؤال وجواب يفلسفان الوجود كلّه، لتذهب بعد ذلك إلى تبيان الثمالة من خلال حالة النرجسية المؤدية إلى «انتشاء» ما، رغم إقرارها في «قصف» أنهما «جنديان في معركة» وكلاهما يرقدان «في حانة الذكرى» أيضاً، لتطرق بعد ذلك إلى اللجوء من خلال ومضة «لجوء» المثيرة للتأمل والجدل في نفس الوقت، لتعيد بعد ذلك حكاية ليلى والذئب بطريقة لافتة، لتوضح بعد ذلك مفهوم الحرص الذي يغلق «جميع النوافذ إلّا نافذة قلبها «التي تتركها «مفتوحة له»، وصولاً بعد ذلك إلى ظهور الثقافة اليونانية والأسطورية لدى الكاتبة التي تعيد توظيفها بشكل إبداعي كما في نص «إخلاص» ونص «عدالة» ونص «جحيم»، وتوظيف مفهوم الآلهة والملائكة والشياطين أكثر من مرة كما في نص «قناع» وقصة «صرخة»، لتؤكد على حسن مطابقة الحال للعنوان كما في «سكون»، وعلى ثنائية النقص والاكتمال في «رحيل»، الاكتمال الذي تعيد ذكره في نص «أحلام» الذي قد يشير إلى السعي الباطني للوصول إلى ذلك.
 
إذاً فلسفة تظهر في نص «شروق» من خلال ثنائية الليل والفجر هذه المرة، وعودة إلى الجرأة من جديد في نص «زيارة» و»طقوس»، ومن بعدهما إلى الخطاب الأدبي المباشر والأنيق الهادف في «عد» حيث الوعظ والإرشاد ودعوة المأمور ليكون «طفلاً.. إنساناً خلق للتو»، ليتحول الأمر مباشرة في النص الذي يليه «ضوء» إلى نداء: «أيها الليل...» الليل الذي يعاود الظهور في «رغبة» ليؤكد أنه رفيق أبطال هذا الكتاب وأمين سر حكاياه ونبض مؤلفته التي يظهر عنفوان تفاؤلها بالحياة رغم وجودنا في «غرفة صغيرة» وذلك في نص «هناك»، ومن بعده نص «ملامح» الذي يختزل الألم والشوق العاطفي والوطني في آن معاً، وفق زاوية التلقي، وذلك على شكل رجل كما الوطن أو وطن كما الرجل.
 
والرجل يعود ظهوره من جديد ثملاً في «نصوص ذاكرة» حيث أحسنت الكاتبة وضعنا مباشرة قبالة الزمان «الثالثة فجراً...» وكذلك استشعارنا لحالة الاضطراب من خلال حسن استخدامها للمحسنات البديعية كالطباق: (مد/جزر) (هنا/هناك) (الأجوبة/الأسئلة)، الاضطراب الذي يظهر في نص «مشاعر» وما به من حمولة مونولوجية كبيرة الصراع رغم قصره.
 
وكما الرجل جميل فالمرأة أجمل حين تتغزل بالرجل، وفي هذا تقول المؤلفة في نص «حبيبي»: «يلتهم شغفي وجنوني وأحتسيه ولهاً». لتنقلنا بعد ذلك حنين إلى أغوار النفس من خلال نص «الشبيه» حيث هي والمرآة التي فيها تلك المرأة التي تقول عنها: «كم تشبهني غير أنها ليست أنا، أو بالأحرى أنا لست هي» ثنائية الحالة والاضطراب النفسي في آن معاً، الذي يحياه الآخر أيضاً الذي تكشف حقيقته له بقولها: «لست بالمارد لتجلب كنوز المعرفة، وتستطلع الأيام، ولا بالعاشق لتقطف الورود وتمتطي بساط الأحلام».
 
القصص التي تصر حنين على كتابتها بطريقتها القصصية هي المختلطة عناصرها ببوحها وأحلامها وانكساراتها وانتصاراتها وخروجها أيضاً عن القص كما في قصة «وقت مستقطع».
 
وفي الختام أقول إن «المعطوب» عبارة عن قصص ونصوص وبوح وذكريات ورسالة «إلى رفيق» لمؤلفته في تفاعلها مع نفسها ومع من حولها من بشر وزمان ومكان تسيده بلا منازع جبل اللويبدة الشاهد على الحكايا الاجتماعية الكثيرة المجبولة بنكهة الثقافة والأدب والفن، وهذا التوظيف الجميل لكلّ هذه المكونات في كتاب واحد فيه من الحياة الكثير لمؤلفته الشابة الواعدة بالفكر والإبداع والكثير، التي تغذ الخطى بنكهة كتابية خاصة بها في هذا العالم الفسيح.