Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Jun-2017

رحلة - د. ابراهيم صبيح
 
الراي - تركب القطار من محطة «واترلو» في وسط مدينة لندن لتتجه شمالاً نحو «يوركشاير» في رحلة تستغرق ثلاث ساعات تمر سريعاً وانت تشاهد المناظر الطبيعية الخلابة على الطريق.
 
تنزل في محطة «ستانيري» ومن هناك تستقل سيارة أجرة أو عربات تشبه القطار تنقل الزوار الى قرية «هوارث» التي تبعد ثلاثة كيلومترات فقط.
 
تحمل شنطتك وتمشي في الشارع الرئيسي المرصوف بالحجارة فتشاهد على جانبي الطريق المحال التجارية والمطاعم والافران التي تبيع الكعك والشاي والاكلات الشعبية الانجليزية وتتأمل الحواري العتيقة التي تتفرع من الشارع الرئيسي، فتشم رائحة التاريخ وعبق الماضي. تصل الى مدخل فندق صغير اسمه «ويذرنج هايتس» عبر حديقة تحيط بها الاسوار الحجرية التي تنمو عليها الاعشاب الخضراء وتصادف على يسار المدخل ارجوحة كبيرة قديمة. مبنى الفندق يتكون من طابقين مع شبابيك من العصر الفيكتوري، وعلى سطحه قرميد احمر تبرز من خلاله مدخنتان تعطيان منظراً دافئاً لتلك المنطقة الباردة.
 
تعبر المدخل الى صالة الاستقبال لتحجز غرفتك وتدور عيناك في ارجاء الفندق فترى في صدر الصالة لوحة تمثل الاخوات «برونتي»: الاخت الكبرى «تشارلوت»، والوسطى «ايميلي»، والصغرى «آن»، ومعهم اخوهم الصغير «برانويل».
 
كان من الممكن ان تكون قرية «هوارث» هذه، قرية اخرى ضمن مئات القرى الصغيرة في الريف الانجليزي لولا عائلة «برونتي» التي عاشت هناك منذ العام 1820 والتي أثرَت الادب الانجليزي بكتاباتها فقد كتبت شارلوت قصة «جين اير» وايميلي كتبت رواية «ويذرنج هايتس» اما آن فقد كتبت قصة «أجنيس جراي».
 
تضع شنطتك في غرفتك وتقوم بتغيير ملابسك بسرعة ثم تنطلق نازلاً درجات الفندق لتعيش التجربة. في منتصف باحة الاستقبال في الفندق تجد طاولة كبيرة من خشب «الماهوجني « كانت تجلس عليها الاخوات لتناول الطعام ولكتابة الكتب والمقالات. في زاوية القاعة تشاهد خزانة زجاجية تظهر فيها الملابس والقفازات الصوفية التي كانوا يلبسونها. امام الطاولة الخشبية توجد اريكة كانت تنام عليها ايميلي التي كان يشغل بالها في ذلك الوقت ما يشغل بال اي مراهق في عمرها: الحب ، الرغبة، الاحلام، الظلم والعدالة.
 
تحس انك تشاهد ايميلي وهي تنهض من النوم صباحاً متجهة الى الشارع الرئيسي في «هوارث» فتمشي معها وتشاهد مكتب البريد القديم حيث كانت ايميلي ترسل ما تكتبه للطباعة والنشر. تسمع من حولك اجراس الكنائس وتشم رائحة الكعك التي تنفذ الى انفك وعندما تصل الى اعلى الشارع، تظهر أمامك فجأة مرتفعات ويذرنج. يمتد بصرك بعيداً فترى حقولاً خضراء وبحيرات صغيرة وتلال متباعدة ترعى فيها قطعان من الخراف البيضاء واصوات الاجراس المعلقة في اعناقها تأتيك من بعيد.
 
في منتصف احدى التلال ترى كوخاً حجرياً والى جانبه شجرة ارز قديمة توجد تحتها صخرة حيث كانت ايميلي تجلس لتجميع افكارها ولتنسج من قريتها ومرتفعاتها خلفية الرواية التي اصبحت الاشهر في كلاسيكيات الادب الانجليزي، حيث المناظر الخلابة والطيور والأشجار لها التأثير الحاسم على ابطال قصتها.
 
«مرتفعات ويذرنج» هي الرواية الوحيدة «لايميلي برونتي» التي كتبتها في العام 1847 وماتت بعدها بسنة حيث كان عمرها ثلاثون عاماً. كان والدي سائق الشاحنة في منتصف الستينات من القرن الماضي يسافر حاملاً الخضار والفواكه من الاردن الى الكويت ويعود محملاً بالكتب والمجلات التي كانت تصدر هناك في تلك الفترة مثل مجلة «العربي»، «لايف»، «ريدرز دايجست» وغيرها لكي يتم توزيعها على دور النشر والمكتبات في الاردن. كان من نصيب والدي كسائق ان يأخذ ما يتلف اثناء النقل من كتب ومجلات والتي كان والدي يعطيها لنا، اولاده وبناته، لتكون ذخيرتنا من الثقافة والمعرفة. لازلت انا احتفظ بالنسخة العربية لكتاب «ويذرنج هايتس» التي اعطاني اياها والدي وانا صبي يافع ولا زلت اتذكر كيف كنت اهيم واتخيل نفسي جالساً على الصخرة مع ايميلي برونتي وريح الريف الانجليزي البارد تلفح وجهي مع همسات «كاثرين» لحبيبها «هتكليف».