Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Feb-2017

بحث عن الأسباب وسعي للحلول - د. فيصل غرايبة
 
الراي - ان اقدام إنسان على قتل إنسان آخر بصورة متعمدة، أمر مستنكر دينيا وقانونيا واجتماعيا،ولا يكون أمرا مؤيدا إلا بمصوغات دينية ووطنية وتشريعية محددة،تقتضيها المصلحة العامة،كالذود عن الأوطان،وكردع المطاردين الخارجين على القانون،عندما يشهرون السلاح فرارا من العدالة.أما عندما يحدث هذا الفعل الجرمي المتعمد ضمن الأسرة،موجها من الأب الى أطفاله أو الزوجة الى زوجها أو الشقيق الى شقيقه،فان ذلك يشكل فظاعة نادرة، تعكس مساوىء عصر تسوده الفردانية وتغيب عنه الجمعوية وتوهن فيه العلاقات الاجتماعية وتتفكك فيه الأواصر الأسروية،ويبدأ الناس وهم ذاهلون بالتحليل والتفكير بالمشكلة وأسبابها ومواجهتها.
 
ان المنظور النفسي الاجتماعي لا يرجع جميع حالات القتل إلى ذات الدوافع والأسباب،ولا يعتبر الدوافع الآنية سببا حقيقيا للجريمة،فحالة الكبت،لدى المجرم وهو يكظم غيظه،ويواري حنقه،وبظروف عسيرة وآلام نفسية، تنبثق كانبثاق الماء المضغوط،عندما تتزايد الضغوط،ولم يعد هناك مجال للتحمل،فتدفع صاحبها لفعل مضاد،ضد نفسه أوالأقربين أو الآخرين.ويمكن أن تراود الفاعل أفكار شتى غالبا ما تكون شريرة فيسعى للخلاص، ويندفع باتجاه حل شنيع،يستخدم إحدى الوسائل الفاتكة بالأرواح،لينهي حياته ذاتها،أو يضع حدا لحياة احد أو عدد من الأقربين من حوله، كتعبير حاد عن سخطه على هذه الحياة برمتها،فيدخل مواقف المحيطين الأقربين،ضمن إطار المسببات التي أوصلته إلى الحالة المتعبة لديه،ومنها:الاعسار المادي الذي يعجزه عن تلبية مطالبهم، اوتصوره انهم كانوا سببا لفشله في تحقيق النجاح والطموح، كالنجاح في الدراسة والتحصيل،أو الحصول على الوفرة المالية،أو المكانة الاجتماعية،أو التقدم بالعمل أو الوظيفة،أو الوصول إلى منصب أو مستوى قيادي معين،أو حتى الوصول إلى غاية عاطفية.
 
ومن جهة أخرى هناك تراكمات نفسية في نفس الجاني سببت لديه حالة نفسية مرضية،كانفصام الشخصية والهستيريا والعدوانية الشديدة أو حب الإيذاء‘وكذلك مثل تلقي الاضطهاد أو الإيذاء من المحيطين،كالأب القاسي أو الزوجة الاضطهادية أو زوجة الأب المتجبرة،ومقابلة ذلك بالصبر والصمت لمدة طويلة،والوصول بالحالة إلى حد الاحتدام.كما أن الاكتئاب الشديد يجعل الفاعل ناظرا إلى الحياة بسوداوية،ويرى الحياة لا تستأهل العيش،وأن انتظار الأجل لمدة طويلة أمر لا يحتمل.
 
وهناك في بعض الحالات ينعكس الشعور بالإذلال والاحتقار من قبل الآخرين نتيجة فعل مشين أو خطأ فادح،يضر بالسمعة أو الشرف أو يمس القيم الأخلاقية والمعايير السلوكية،يتصل بالفاعل شخصيا أو بأسرته أو عشيرته،مثلما يحدث في حالات الاغتصاب والانتهاك الجنسي والخطف الطوعي والعلاقة الجنسية غير الشرعية والحمل السفاح. وقد يقود التدين الشديد وسط محيط غير متدين،وشعور الفاعل بأنه غير قادر على ردع المحيطين به،عن القيام بالسلوك الذي يغضب وجه الله سبحانه وتعالى،كأن يكون الأب متعاطي للمخدرات والمسكرات، أو الأخوات لا يلتزمن باللباس المحتشم،أو الأم مستهترة بالالتزام الأخلاقي تجاه الأسرة.
 
ان معالجة الأمر لا تتم إلا عن طريق قطع أسبابه،وذلك على صعيدين الأول: فردي،والثاني مجتمعي،وبطبيعة الحال،فان المعالجة على المستوى المجتمعي أكثر تأثيرا وأبعد أثرا وهي تخفف من الآثار على المستوى الفردي.ولا مراء أن غرس القيم الأخلاقية والاتجاهات السلوكية السليمة،كتلك التي تهذب الذات وتهدئ النفوس وتبني الشخصية،على أساس الثقة بالآخرين والنوايا الصادقة تجاههم بالتعامل والمشاعر،عدا عن توفير أسباب الرفاه الاجتماعي الاقتصادي بإيجاد فرص العمل،والحد من الاحتكار والجشع، والمحافظة على أسس الكيان الأسري،القائمة على التواد والتفاهم والتراحم والتعامل المنصف بين أعضائها،كما ان التعامل مع الأبناء منذ الطفولة،يراكم لديهم خبرات وانطباعات،توجه مشاعرهم وأنماط سلوكهم ومواقفهم من الآخرين في المستقبل.وذلك مما يشكل تنمية للشخصية الإنسانية الايجابية،وتوفيرا للبيئة الاجتماعية الملائمة،التي تساعد على الأمن والاستقرار والأجواء المناسبة،للتفاعل الخلاق والعطاء المستمر في المجتمع عامة،وداخل كل أسرة فيه خاصة.
 
dfaisal77@hotmail.com