Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Jun-2017

موجة متتابعة من الهجمات على بريطانيا - حسن أبو هنية
 
الراي - أكدت سلسلة الهجمات الأخيرة المتتابعة والمنوعة التي تعرضت لها بريطانيا على أن المملكة المتحدة تواجه أخطر مستوى من التهديدات الإرهابية منذ هجمات الجيش الجمهوري الإيرلندي في لندن خلال سبعينات القرن العشرين، وذلك وفقا لهيئة رقابية جديدة أُسست لمتابعة إجراءات وقوانين مكافحة الإرهاب، وقد أفادت مصادر استخبارية بوجود 23 ألف إسلامي من الجهاديين في بريطانيا وذكرت أنهم على استعداد لتنفيذ هجمات إرهابية هناك، وأن 3 آلاف شخص من هذه المجموعة يخضعون لمراقبة شديدة من جانب الهيئات الأمنية المختصة، وهم قد ينتمون إلى جماعات إرهابية مختلفة ويشكلون تهديدا قويا خاصا للأمن القومي البريطاني.
 
آخر الهجمات التي ضربت لندن وقعت في 3 يونيو 2017، وأسفرت عن مقتل 7 أشخاص و3 مهاجمين وإصابة 48 آخرين بجروج، بعد أن قاد مهاجمون شاحنة صغيرة مسرعة، ودهسوا المارة على جسر لندن قبل أن يطعنوا أناساً آخرين في منطقة بورو ماركت المجاورة، ولا تزال التحقيقات مستمرة للكشف عن هوية المنفذين، وتعاملت أجهزة الشرطة مع الحادث باعتباره إرهابيا، ومن المنتظر أن يعلن تنظيم الدولة الإسلامية عن تبنيه للعملية.
 
وكان خالد مسعود قد نفذ هجوما في لندن بتاريخ 22 مارس 2017، حيث استهدف البرلمان البريطاني، ومسعود مواطن بريطاني كان مسيحيا اسمه أدريان راسل أجاو، ثم غير اسمه عندما اعتنق الإسلام، من مواليد 1964، حيث قام مسعود بدهس عدد من المارة بسيارة مستأجرة فوق جسر ويستمنستر، ثم صدم السياج الحديدي حول مبنى البرلمان قبل أن يطعن شرطيا يحرس البرلمان عشر طعنات مما أسفر عن وفاته، حيث قامت قوات الشرطة بإطلاق الرصاص عليه مما تسبب في مقتل أربعة أشخاص وإصابة 50 آخرين، وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم وقال: أن المنفذ «جندي للدولة الإسلامية»، وأنه نفذ الهجوم تلبية لدعوات سابقة أطلقها التنظيم لاستهداف رعايا دول التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
 
بين الهجومين في لندن شهدت مدينة مانشستر أعنف الهجمات عندما قام شاب يدعى سلمان العبيدي ويبلغ من العمر 22 عاما، وهو من مواليد مانشستر في العام 1994 من أبوين ليبين، في 22 مايو 2017 بهجوم بعبوات ناسفة بقاعة حفلات في مجمع «مانشستر أرينا» شمالي بريطانيا، وقد أسفر الهجوم عن مقتل 22 شخصا ، وإصابة نحو ستين شخصا آخرين بجروح متفاوتة، وقد وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم، وقال في بيان له إن المنفذ فجر عبوات ناسفة في مبنى أرينا، ما أدى إلى مقتل نحو ثلاثين وإصابة سبعين آخرين، وتوعد البيان بشن هجمات أخرى على «عباد الصليب». وقد أدى تسريب أميركا لمعلومات حول الهجوم إلى توتر العلاقة بين بريطانيا وأميركا، وأعلنت الشرطة البريطانية وقف مشاركة المعلومات مع الولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بهجوم مانشستر.
 
كشف هجوم مانشستر عن تنامي نمط التهديدات الإرهابية التي تواجه بريطانيا وخطورتها، إذ لم تشهد بريطانيا هجمات إرهابية ضخمة من حيث عدد الخسائر منذ التفجيرات المتزامنة في وسائل النقل التي شهدتها العاصمة لندن في 7 يوليو 2005، والتي تسببت بمقتل 52 شخصًا وإصابة 700 آخرين، وكانت قوات الأمن البريطانية قد أحبطت هجمات متعددة، كالمحاولة الفاشلة لتفجير طائرة تابعة لشركة «ترانس آتلانتيك» في أغسطس 2006، ومحاولة تفجير سيارات مفخخة في لندن، وإحياط الهجوم الذي استهدف مطار جلاسكو في أسكتلندا في يونيو 2007.
 
جائت الهجمات الأخيرة في ظل تنامي الجدل حول المراجعات المؤسسية في بريطانيا حول مدى فاعلية إجراءات مكافحة الإرهاب والتطرف، إذ لم ينقطع الجدل بين التيارات السياسية حول مدى تمكن المؤسسات الأمنية البريطانية من استباق التهديدات الإرهابية، واحتواء تغلغل التطرف في بعض قطاعات المجتمع البريطاني، فقد اتخذت الحكومة البريطانية في عام 2003 استراتيجية لمكافحة التطرف والإرهاب تحت مسمى «كونتست»، والتي تفرعت إلى برامج عدة من أبرزها برنامج «بريفنت» ويعني عربيا المنع، ويهدف «بريفنت» إلى القضاء على إيديولوجية التطرف، والوقوف في وجه عمليات التجنيد وغسل الأدمغة بالأفكار المتطرفة، وإعادة أصوات الإسلام المعتدل إلى المجتمع البريطاني، والتعامل مع أزمات الهوية التي يواجهها بعض المسلمين المولودين في بريطانيا.
 
أعلن في بريطانيا عام 2015 عن استراتيجية جديدة لمحاربة التطرف، لكن المقاربة البريطانية تعرضت لانتقادات واسعة من الجاليات المسلمة، ومن جهات وأطراف بريطانية ودولية عديدة كان آخرها قبل أيام عندما قال تقرير صادر عن الأمم المتحدة إن بريطانيا تشهد تحولا دقيقا لكنه مثير للقلق صوب تجريم الاحتجاج السلمي وحرية التعبير وشبهه بحالة «الأخ الكبير» للمراقبة والاشتباه، ويتضمن التقرير انتقادات شديدة، وجاء في التقرير الذي أعده ماينا كياي الذي كان مقرر الأمم المتحدة الخاص بشأن حرية التجمع السلمي حتى الشهر الماضي إن المجتمع المدني البريطاني «كنز وطني» تتهدده حاليا أساليب الشرطة وتشريع لمكافحة الإرهاب والقيود على عمل المؤسسات الخيرية والنقابات العمالية، وأضاف أن استراتيجية بريطانيا لمكافحة الإرهاب والمعروفة باسم «امنع» معيبة بطبيعتها.
 
رغم الإجراءات الصارمة في بريطانيا وفي أوروبا النتعلقة بمحاربة التطرف العنيف، إلا أن جهاديي أوروبا هم من أكثر الجهاديين خطرا وتطرفا وابتكارا لطرائق العنف والتدمير والترهيب، إذ يشهد التاريخ العنيف للجهادية العالمية أن المشهدية العنيفة الفائقة جاءت من مخيلة جهاديين من أبناء الجيل الثاني والثالث للمهاجرين المسلمين أو من المتحولين للإسلام في أوروبا، وعلى الرغم من التأسيس الإيديولوجي والتبرير الفقهي للمنظرين الجهاديين العرب لأشكال العنف والتنكيل والترهيب، إلا أن تطبيقات العنف المشهدي لجهاديي أوروبا تجاوزت التصورات التقليدية لنظرائهم العرب، فلا عجب أن يصبح الجهادي البريطاني « الجهادي جون» واسمه محمد اموازي وخلفاؤه أيقونة لتنظيم الدولة الإسلامية لتكتيكات الخوف والرعب ومشهدية قطع الرؤوس.
 
في سياق الجدل حول أسباب تنامي التطرف العنيف في بريطانيا وفي القارة الأوروبية، فإن الأسباب الموضوعية تشير إلى إشكالات عميقة لدى مسلمي أوروبا بتنامي الشعور بـ «الاغتراب» في ظل اخفاق سياسات الهوية والادماج، وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وتصاعد الحركات اليمينية والشعبوية ورواج العنصرية ومعاداة الأجانب والمهاجرين، لكن السبب المباشر لدى قطاعات واسعة يتمثل بنهج السياسة الخارجية التدخلية، فقد وافق كثيرون مؤخرا على تأكيدات جيرمي كوربين، القائلة بأن التدخل العسكري الخارجي هو ما تسبب في تزايد خطورة الهجمات الإرهابية، وأكد العديد من أعضاء المجتمع الدبلوماسي والأمني والدفاعي في بريطانيا، أن الهجمات الإرهابية في المملكة المتحدة تزداد بعد أي تدخل عسكري في دول الشرق الأوسط.
 
يمكن التأكيد على حجج التدخلية ببساطة، فعلى الرغم من إيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية المتصلبة إلا أن نهجه الاستراتيجي يتمتع بدرحة عالية من البراغماتية، إذ لم يهاجم التنظيم أوروبا رغم رسائله الإعلامية بدخول روما وحرق الصليب في دابق، وعلى الرغم من وجود أكثر من 8 آلاف جهادي أوروبي في صفوفه بحسب بعض التقارير، إلا أنه لم يتبن تنفيذ هجمات واسعة إلا بعد مرور أكثر من عام على تشكيل التحالف الدولي ضده في سبتمبر 2014، الأمر الذي استجاب فيه التنظيم لرغبات جهاديي أوروبا بشن حملة إنتقامية، وذلك لتسكين جهادييه الأوروبيين الذين ضاقوا ذرعا بصير التنظيم على ضربات التحالف التي جعلتهم هدفا مفضلا، وتحقيقا لتعطش جهاديي أوروبا للانتقام من سياسات بلدانهم الخاصة بمسلمي أوروبا، وهكذا حمل الإصدار(12) من مجلة «دابق» الخاصة بالأجانب عنوان (الإرهاب العادل) كي يدشن حملة مشهدية عنيفة لجهاديي أوروبا.
 
فعندما أعلنت بريطانيا عن انضمامها للتحالف الدولي للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، بث التنظيم شريطا مصورا بعنوان «رسالة إلى حلفاء أمريكا» في 13 أيلول/ سبتمبر 2014 يقوم فيه «الجهادي جون» بقطع رأس رهينة بريطاني لدى التنظيم، يدعى ديفيد هينز، وفي 3 تشرين أول/ أكتوبر 2014 بث التنظيم شريطا يقوم فيه بقطع رأس رهينة بريطاني آخر يدعى ألن هينينغ.
 
تعتبر بريطانيا ثاني أكبر مصدر للجهاديين بعد فرنسا، ورغم عدم وجود أرقام محددة حول عدد البريطانيين المنخرطين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، لكن التقديرات تشير إلى أن المئات من كلا الجنسيين منضوون في صفوف التنظيم في العراق وسوريا، بينما عاد 350 منهم إلى بريطانيا وقتل العشرات.