Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Jun-2017

ترمب وبوتين والرقص على أرض سورية هشة - رومان حداد
 
الراي - من يشاهد المسلسل السوري تلفحه الهبات الساخنة التي تحدث بصورة متسارعة في الفترة الأخيرة، فما قامت به الولايات المتحدة حين أسقطت طائرة حربية تابعة لقوات النظام السوري بالقرب من مدينة الرقة يعني تصعيداً غير مسبوق لآليات الصراع على النفوذ في سوريا ما بعد داعش، حيث تُعد هذه المرة الأولى التي يتم فيها إسقاط طائرة حربية تابعة للنظام السوري من قبل الولايات المتحدة طوال الأزمة السورية منذ بدايتها قبل ست سنوات.
 
ولكنها ليست المرة الأولى التي تضرب فيها الولايات المتحدة أهدافاً سورية، بل هي ثالث مرة، وجميعها في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث لم يقم سلفه باراك أوباما بتوجيه ضربات عسكرية للنظام السوري طوال فترة حكمه خلال الأزمة، رغم قضية الكيماوي، والتي تم حلها من خلال تسليم النظام السوري مخزونه من الأسلحة الكيماوية وتدميره.
 
ففي السادس من نيسان 2017 شنت الولايات المتحدة هجوماً بـ(59) صاروخاً نوع (توماهوك) من مدمرتين حربيتين في البحر المتوسط باتجاه مطار الشعيرات العسكري قرب مدينة حمص في سوريا ضد قوات النظام السوري رداً على هجوم النظام السوري المتعمد على خان شيخون بالسلاح الكيماوي، والذي قتل فيه المئات من المدنيين الأبرياء، وكانت هذه المرة الأولى التي يعطي فيها البيت الابيض أوامر بعمل عسكري مباشر ضد قوات النظام السوري.
 
وفي 18 أيار 2017 أعلن مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية أنّ طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قصفت قافلة موالية للنظام يبدو أنها كانت تنقل عناصر من الميليشيات الشيعية في سوريا بينما كانت متّجهة إلى موقع عسكري للتحالف قرب الحدود الأردنية.
 
ومنذ بداية شهر حزيران قامت الطائرات الأميركية بإسقاط طائرتين إيرانيتين من دون طيار، الأولى في الثامن من حزيران والثانية في العشرين منه، وكلتا الطائرتين كانتا تحلقان فوق مناطق قريبة من منطقة التنف.
 
في خلفيات مشهد إسقاط الطائرة السورية يظهر تضارب التصريحات حول حقيقة مهمة الطائرة العسكرية التابعة للنظام السوري، فالولايات المتحدة الأميركية قدمت روايتها التي تقول إن الطائرة العسكرية التابعة للنظام قصفت قوات سوريا الديمقراطية، وهي القوات الصديقة للولايات المتحدة ورأس الحربة في محاربة (داعش) على الأرض في الرقة، في حين ادعى النظام السوري أن الطائرة كانت بمهمة حربية وقصفت مناطق (داعش) داخل الرقة.
 
هذا التضارب لم يمنع من تصاعد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة بعد إسقاط الطائرة الحربية السورية فوق الرقة، ورأت روسيا في هذا العمل تعدياً على القانون الدولي وعملاً عدائياً من جانب القوات الأميركية.
 
وأعلن وزير الخارجية الروسي أن الرد الروسي سيكون عبر إيقاف عمليات التواصل والتنسيق بين روسيا والولايات المتحدة في سورية.
 
كما قالت روسيا إنها قررت ايقاف كل الاتصالات التي تهدف الى تجنب حوادث الطيران مع الأميركيين واعتبرت أن أي طائرة تعود للتحالف الدولي والتي تعمل إلى الغرب من نهر الفرات سيتم تعقبها من قبل قوات مقاومة الطائرات الروسية في الجو وعلى الأرض باعتبارها أهدافاً.
 
التصعيد الأميركي الأخير يعني بوضوح أن الولايات المتحدة تعتبر أن قوات سوريا الديمقراطية (الكردية) حليفاً حقيقياً وقوتها الضاربة على الأرض، ففكرة إرسال جنود أمريكيين بأعداد كبيرة إلى الأرض في سوريا ليس خياراً مطروحاً، وكلفة التحالف مع قوات سوريا الديمقراطية ليست عالية بالنسبة للولايات المتحدة، فكلفتها لا تتجاوز في الحقيقة منح حلم لكرد سوريا بإنشاء دولتهم، أو منطقة حكم ذاتي في سوريا فدرالية، دون التزام حقيقي من الجانب الأميركي بتحقيق هذا الحلم الكردي.
 
كما أن الولايات المتحدة أرادت الإعلان بصراحة أنها ضد أي مشروع قادم يمكن أن يخلق معابر برية أو ممرات آمنة تصل بين طهران والبحر الأبيض المتوسط، ولذلك تبدو منطقة التنف منطقة محظورة أميركياً على القوات الإيرانية والسورية أو أية ميلشيات داعمة للنظام السوري، بحيث يقوم الأميركي بالرد على أية محاولة اقتراب بالرد بصورة واضحة عبر نيران عسكرية تضرب الخصوم.
 
ولكن ما هو أوضح من ذلك بكثير أنه لا توافق بعد قد حصل بين الولايات المتحدة وروسيا حول المناطق الآمنة أو مناطق تخفيف النزاع، أو على تقاسم إدارة مناطق سورية المختلفة في مرحلة ما بعد داعش، حيث يحاول السيد الأميركي فرض واقعه بقوة بحماية خياراته (قوات سوريا الديمقراطية) أو خرائطه التي تحقق مصالحه الاستراتيجية كما في منطقة التنف.
 
وفي ذات الوقت يبدو اللاعب الروسي غير مرتاح للأسلوب الترمبي الجديد، فبعد أن كان الملعب السوري ملعباً روسياً ولا تدخلات واضحة أمريكية، باستثناء الحفاظ على توازن القوى والثبات الحال على ما هي عليه، ومنع أي طرف من تحقيق انتصار كاسح على الطرف الآخر، جاء الرئيس دونالد ترمب ليقلب المعادلة، عبر اعتباره معركة تحرير الرقة والقضاء على داعش مهمة أميركية لن يسمح لأي طرف آخر أن يحصد بطولتها، وأعاد ترسيم مناطق النفوذ.
 
هذا التوتر وحالات الشد في سوريا تراهن على قوة (شعرة معاوية) الروسية الأميركية وعلى وجود حكماء لدى الطرفين يمنعون الاصطدام المباشر غير محمود العواقب، وخبرات سابقة في لعبة عض الأصابع أو نظرية الوصول إلى الحافة.
 
الأيام القادمة ستكون فاصلة في تحديد المشهد السوري الملتهب، وغير المؤهل للهدوء بل لتصعيد أكثر، حيث يبدو أن الأميركان والروس لم يروا الحافة بعد، رغم الأرضية الهشة التي يتراقصون عليها بصخب.