Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Jan-2019

الحكومة .. بين التشويش والغوغائية - د. هزاع عبد العزيز المجالي

 الراي - عندما تولى الخلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي االله عنه،خاطب المسلمين بقوله: «أيها الناس من رأى منكم فيّ إعوجاجاً فليقومه»، فقام رجل وقال: واالله لو رأينا فيك أعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: «الحمد االله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه». من المؤكد أنني لست هنا بصدد المقارنة بين العُمرين، فلكل زمان دولةً ورجال، ولكن من المؤكد أن معيار الإستقامة ومنع الإعوجاج هو معيار يصلح لكل زمان ومكان.

لقد شهدت الدولة الأردنية تكليف عشرات الرؤساء للحكومات المتعاقبة، وكان عمر الحكومات يتسم بقصر المدة الزمنية، لأسباب عديدة منها: ما هو خارجي ومنها ما هو داخلي، وكما هو معلوم فإن اختيار أو إقالة رؤساء الوزراء يتم من قبل جلالة الملك حفظه االله، لاعتبارات قد تتعلق هي أيضاً (بالإستقامة أو الإعوجاج). لذلك نجد أن جلالة الملك في جميع كُتب التكليف السامي يوجه الحكومات الجديدة بمنهج أو خطة عمل تعتبر بمثابة برنامج للحكومة يجب أن تعمل على تطبيقه، والأهم من ذلك أن جلالة الملك يعتبر خدمة الشعب بكل إخلاص هي جوهر ومقياس الرضى لبقاء الحكومة أو إقالتها.
أعتقد أن تكليف أحد الأشخاص من قبل جلالة الملك لا يتم اعتباطاً، بل هناك أسس يتم بموجبها إختيار هؤلاء الأشخاص لهذه المهمة، منها السيرة الذاتية الشخصية العلمية والعملية (الخبرة)، وكذلك قدرة المكلف على ترجمة ما يرغب به جلالة الملك على أرض الواقع، والأهم من ذلك أن جلالته يحرص مسبقاً على جس النبض الشعبي بأن يكون هناك قبولاً شعبياً لهذا الإختيار.
لقد شهدت السنوات الأخيرة من عمر الدولة الأردنية تكليف جلالة الملك للعديد من الشخصيات الأردنية لتشكيل الحكومات، وأن التغييرات كانت تتم عندما يجد سيد البلاد أن الحكومة المكلفة أصبحت عاجزةً عن السير في ما هو مطلوب منها، لا سيما فيما يتعلق بمعالجة المشاكل الاقتصادية مثل: الفقر والبطالة والفساد، وغيرها من القضايا التي تهم المواطن. وأجتهد بالقول إن جلالته يعلم أنه ليس من السهل حل تلك المشكلات، لأنها تحتاج إلى إمكانيات مادية تفوق إمكانيات وقدرة الدولة الأردنية، وأن الحكومات قد تلجأ إلى الحلول الاقتصادية مثل: زيادة الضرائب لحل المشكلات ولكنه بالمقابل ينتظر أن تنعكس تلك الحلول على المواطن الأردني بشكلٍ ايجابيِ على كافة الأصعدة الخدماتية، وأن تضع الخطط والبرامج المستقبلية التي تسهم في حل المشكلات ومعالجة الأسباب التي أدت إلى ظهورها.
إن جلالة الملك من المتابعين للرأي العام الشعبي ويحترم بشكل كبير رأي الشارع الأردني، سواءً تعلق ذلك بالحراك الشعبي أو الحزبي أو بما يتداوله الناس عبر وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، ولكنه يعلم أيضاً أن من الناس من يستعجل الأمور، فهم يريدون حل كل المشكلات بين ليلةٍ وضحاها، ومنهم من يصطاد بالماء العكر ويتسلح بسلاح المعارضة لأسبابٍ شخصية. لذلك نجده وبكل عقلانيةٍ ينظر بعينٍ ثاقبةٍ إلى ما أنجز وما سوف تنجزه الحكومة وبالعين الأخرى إلى مدى تأثير ذلك على معيشة شعبه الذي يحب.
من هنا يمكن القول، وفي ظل ما فهمته من معايير اختيار الرؤساء، إن اختيار الدكتور عمر الرزاز وباعتراف كثير من النخب السياسية والاقتصادية والشعبية، كان اختياراً موفقاً رُغم حالات التشويش والغوغائية، ولكننا بعيداً عن الأحكام الشخصية، فإن المعيار الوحيد للحكم عليه هو (الإنجاز). وأنا أرى أن الحكومة تسير بالشكل الصحيح، وقد اجتهدت وأنجزت في معالجة قضايا وملفات عالقة، من أهمها قضايا الفساد والاستيلاء على المال العام.
المطلوب إذن أن نصبر قليلاً ونعطي الرجل الوقت الكافي لترجمة أقواله لأفعالٍ على أرض الواقع، وأن نستخدم حد (السيف) بالمعنى المجازي بالنقد البناء في تقويمه، ونتذكر أن جلالة الملك أكثر حرصاً منا جميعاً على متابعة الإنجازات، فهو من يُقوم (الإعوجاج) إن وجد، لأن اختياره للأشخاص أساسه (التكليف وليس التشريف).