Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Feb-2018

بساط الريح.. بين زمنيْن! - ناديا هاشم العالول

 الراي - ذكريات زادَ عبقُها حنينا عصف بنا ليعيدنا مرارا وتكرارا لزاد الزمن الجميل الغنيّ بفنّه الأصيل كأغنية: «بساط الريح.. جميل ومريح.. وكله أمان ولا البولمان».. بكلمات ظريفة تصف جمال البلاد العربية بلدا بلدا لتتبِعْها أغنية: «وطني حبيبي الوطن الأكبر.. يوم ورا يوم أمجاده بتكبر».. نختارُ منها: «وطني يا جنّة، الناس حاسدينها على أمجادها وعلى مفاتنها»! متسائلين: كيف نحافظ على أمجادنا؟ وأين نحن منها الآن؟ ونحنّ لتلك الفترة الملقّبة بالزمن الجميل كلما أعيانا هذا «الزمن المقيت»، علما بأنَّ الزمن الجميل لم يكن جميلا كونه يحمل ذكريات الطفولة فحسب، وإنما لأن الزمن الجميل «بعالمنا العربي» له دلالات ذات نكهة خاصة حيث تمحورت فترته ما قبل نكسة حزيران 1967 وبعدها بقليل.. فعلا زمن تميّز بعبق استثنائي لدرجة أنه تفوّق على أي زمن آخر!

ارتبط الزمن الجميل بعمالقة الفن والشعر والأدب مثل أم كلثوم ويوسف وهبي وفاتن حمامة وفريد شوقي وفريد الأطرش وطه حسين ويوسف السباعي وأحمد شوقي..الخ علاوة على انه استحقّ لقب «الزمن الجميل» بجدارة بسبب أجواء الألفة والمحبة التي صهرت الشعب كله ببوتقة واحدة تقوّي ولا تضعف، تقرِّب ولا تفرِّق بغض النظر عن الأصول والمذاهب والديانات بعيدا عن التعصّب مما انتج فكرا يجمع بين الأصالة والمعاصرة مثْبتا بدوره على أنهما ليسا على طرفيْ نقيض..
 
فالكلّ ابناء وطن واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالّسّهر والحمّى.. علاوة على انتشار ظاهرة إتقان العمل فالكل يصنع نفسَه بجهده واجتهاده مفتخرا كونه عصاميا، علما بأنّ اتقان العمل أساس كل نهضة ولا قيام لأية حضارة بغيابه ولهذا شاع إتقان العمل وخصوصا بين المتعلمين المستنيرين ممن أخذوا على عاتقهم انتشال غيرهم مخرجينهم من الظلمات للنور، مرتقين بهم نحو آفاق التعلّم والحضارة ليتعاظَمَ دور المفكرين بالعالم العربي اكثر من أي زمن آخر.. وهذا بدوره أفرز صفْوة مؤثّرة وإن كانت قليلة بعددها ولكنها أثْرتْ واثَّرَت كثيرا بسلوك وأخلاقيات العامة فشكّلتْ بحينها العمود الفقري لمجموعة القيم التي أراد لها المجتمع «النمو والاستدامة» بغض النظر عن أطيافه وألوانه حيث لا فروق ملموسة بين طبقات الشعب الغنية والوسطى والفقيرة، فالبساطة تغلب على حياتهم ، والقناعة تظلّل نفوسهم..
وكيف لا والمنافسة الشريفة أوصلت كل مجتهد الى المرتبة التي حلم بها.. فتوسّعت الطبقة الوسطى حيث خرّجت السياسيين والاقتصاديين و المثقفين وأصحاب الرأي.. الخ.. فعلا فوجود هذه الصفات الأساسية اطلق جذورا وسوقا وأغصانا لتنعكس ثمارها ايجابا على التعليم والثقافة والسياسة والاقتصاد والبيئة..
أما لماذا تراجع الزمن الجميل ومن المسؤول عن تراجع ميّزاته، فيعود لسلوكيات تراكمت لتصبح واقعا سلبيا معاشا تتلخص في: «أنا أُعاكس اذن انا موجود» سامحين للعكسيين ممن يقلبون الحقائق بالتألّق ليجولوا ويصولوا ليصبح الصحّ غلطا، والعكس صحيح.. ولهذا تغلغل كل ما هو عكسي تدريجيا بين ثنايانا حتى استفحل وصرنا نعيش زمن الشَّقْلَبة.. وبما أنّ الشيء بالشيء يُذكر، أنقل لكم حكمة بالعامية تعزف على نفْس الوتر: «الدنيا مش دنيا عافية ولا عزّ ولا مال.. الدنيا بدها قلوب صافية.. مش قلْنا وقالْ»! للأسف هذا هو الواقع المعاش بمعاييره ومكياله الميكافيللي: الغاية تبرر الوسيلة!
وأمّا من جهة اخرى فقد تخلّينا عن المرونة العقلية والفكرية أساس كل تفكير إبداعي.. فمرونة التفكير هي مهارة مطلوبة لتحريك العقل باتجاهات متعددة فيصبح من السهولة بمكان إيجاد الحلول للمشكلات بعكس التفكير الصارم المتجمد المتقوقع والمحدَّد باتجاه واحد.. فالمرونة هي احدى المهارات الأساسية التي يتحلّى بها كل مبدع ليصبح بمقدوره ان ينتج إنتاجا «متقَنا» لتميّزه بأكبر قدر من الطلاقة الفكرية، والمرونة التلقائية، والأصالة والتفاصيل..
وكيف لا؟ والحديث النبوي الشريف يطالبنا بهكذا عمل متقن: (إن االله يحبّ إذا عمل أحدكم عملا ان يتقنه) لافتا النظر الى اهمية العمل المتقَّن الذي يحبه االله تعالى.. وعلينا ان نحبّه ايضا.. والحبّ لا يكون بالأقوال وإنما بالأفعال والممارسات.. بخاصة ان العملية التراكمية للعمل المتقَن ستجعله يرتقي الى أعلى مستويات الإبداع وذلك من خلال المثابرة - العناد الإيجابي -.. ولكن للأسف تبخّر بزمننا «العناد الإيجابي» وحلّ محله «العناد السلبي» الرافض دوما للآخر.. مما أفقر فكرَنا فأقْفرَ بالمقابل عملُنا.. وانجازنا.. وتقدمنا.. وجمال زمننا! تُرى هل ذهب الماضي بلا رجعة تاركا وراءه الأطلال لنُفتّش عنها بين المتاهات، هل ذهب الزمن الجميل؟ هل سيعود ؟
نعم بإمكاننا ان نعيده بالأمل والانفتاح العقلي الإيجابي، والعمل المتقن، سيعود حتما ليعود معه بساط الريح ليجوب بأجواء عواصمنا المزدهرة بأمجادها ومفاتنها.. بعيدا عن الخراب والدمار.. رغما عن أنف العكسيين والمتجمّدين والمتقوقعين والعنيدين!