Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Feb-2017

"وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض" - أ. د. محمد خازر المجالي
 
الغد- قصة الملأ عبر التاريخ مخزية من جوانب كثيرة، وهم من نسميهم الحاشية والبطانة؛ إذ يزينون القبيح، ويقبّحون الجميل، ويهوّلون البسيط من الأمور ويهوّنون العظيم منها، ويشوّهون الحقائق ويغتالون الشخصيات، ولا همّ لهم إلا التقرب من الحاكم ولو بالوسائل الفاسدة الخاطئة، بعيدون كل البعد عن الهدف الأساس الذي نيط بهم، حيث النصح والشورى والعدل، فحكم الناس ليس بالأمر السهل صنعة، ولا مآلا، إنْ في الدنيا أو في الآخرة.
تشغل القصص القرآنية قرابة ثلث القرآن، وهو مليء بقصص الأنبياء وأقوامهم. وغالب القصص مشتمل على حوار ذاك النبي مع قومه، وهناك سادة أو طغاة وملأ. ويعنيني هنا الملأ على وجه التحديد. ولعل من أوضح قصص الطغيان والملأ ما كان من شأن فرعون الذي أصبح رمزا لاسم الطغيان فيما بعد؛ فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يصف أبا جهل بأنه فرعون هذه الأمة، هؤلاء الذين طغوا وتجبروا، فقال فرعون أقواله التي تحدى بها الله، من مثل: "أنا ربكم الأعلى"، و"ما علمت لكم من إله غيري". وهكذا هو شأن بعض الأقوام الآخرين الذين أغروا البقية أن يقاوموا دعوات الحق ويتشبثوا بما عليه الآباء من عبادة غير الله، فكانت قصص نوح وهود وصالح وإبراهيم وشعيب وموسى وغيرهم. وهو الحوار نفسه تقريبا، حيث الدعوة إلى عبادة الله وحده، والجواب الابتدائي من العتاة حكاما وملأً، والتهديد للنبي، وهو الذي يعرفونه حق المعرفة، وأيده الله بمعجزة دليلا على صدقه، فعجزوا جميعا عن الإتيان بمثلها، ولكنهم يكابرون ويغري بعضهم بعضا بالإعراض والاستهزاء من الرسول والرسالة والمؤمنين.
ويحكي غالب القصص القرآني انتصار الحق على الباطل، بل عذاب تلك الأقوام وأخذهم، وهي سنة إلهية لا تتخلف أبدا، فالباطل لا قرار له، وهو زاهق ولو بعد حين، والحق منتصر، لأنه قديم راسخ، فالباطل ساعة وينتهي، والحق إلى قيام الساعة.
ومرة أخرى، فالحديث عن أناس شاء الله تعالى أن يكونوا حول الحكام، وثقوا بهم، وجعلوهم حولهم، فمن كان من الحكام عاقلا فلا يضع حوله إلا العقلاء الحكماء الأمناء الذين ينصحون وينظرون لمصلحة الأمة، ومن كان خلاف ذلك فلا يضع حوله إلا أصحاب المصالح، ولو كان فيهم عاقل فربما يجتمع البقية على نبذه واحتقار رأيه.
سياسة الناس ليست بالأمر الهيّن، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر لما طلب تأميره على سرية: "يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها". ونتعلم من الفاروق عمر رضي الله عنه، كيف خرج يوما في الصحراء الملتهبة يبحث عن جمل ندّ (هرب)، وكان من إبل الصدقة، حتى لا يحاسبه الله عليه يوم القيامة، ويقول متذكرا الأمانة: والله لو عثرت بغلة بالعراق لسألني الله لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟ هذا مع الدابة، فكيف بالإنسان؟!
الناس لا يمكن أن يكونوا هملا لا رؤوس لهم. وهؤلاء الرؤوس لا يصلح أن يكون حولهم من يغشهم فيفسدوا العلاقة بين الرأس والناس. ولهذا فالمصطلح الإسلامي لما نسميه الملأ هو "أهل الحل والعقد"؛ هم أهل شورى وحكمة وعلم بما يصلح للناس وما تستقيم به الحياة والحكم والعدل، خاصة حين نتذكر طبائع البشر من الاختلاف والخطأ والاعتداء والصفات السلبية عموما. هنا نتحدث عن ضرورة وجود قوة ونظام وحزم، ولكن قبل هذا عدل وأمانة واستقامة، فلا يعف الناس ويستقيموا ويصلح شأنهم إلا إن كانت هناك قدوة صالحة من الحكام على وجه التحديد، وممن حولهم من الملأ والعلماء والمسؤولين.
في قصة موسى عليه السلام مع فرعون، جرى ما جرى من الحوار، واستغرب فرعون هل هناك رب سواه، فأجابه موسى (وهو الذي عاش في بيته) بثقة أن الله تعالى هو رب العالمين، وجاء بالآيات حين ألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ونزع يده فإذا هي بيضاء من غير سوء. وهنا كان دور الملأ أن أخبروا فرعون أن هذا ساحر مبين، فكان الاقتراح أن يأتوا بالسحرة، وكان ما كان مرة أخرى، وأُسقط في أيديهم، إذ آمن السحرة، فهم أهل الصنعة، وعلموا يقينا أن ما فعله موسى ليس سحرا، وتوعّدهم فرعون بقوله: "لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ" (الأعراف، الآية 124) فكان جوابهم القاطع: "قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ" (الأعراف، الآيتان 125 و126).
وربما يظن المتابع أن المشهد قد انتهى، ولكن دور الملأ لم ينته، فهم لا يريدون للحقائق أن تحل مكان الزيف، إذ هم يرتعون ويقتاتون على ما يزيّنونه لفرعون، حين يظهرون له أنهم يريدون مصلحته، ولهذا قالوا له: "... أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ..." (الأعراف، الآية 127)؛ فهم قدحوا في عقل فرعون أن موسى ومن معه سيفسدون في الأرض، وسيتركون عبادتك وآلهتك، وهذا أمر مستفز. حينها قال فرعون متوعدا: "... سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ" (الأعراف، الآية 127).
لو أن كل عاقل نظر في نفسه، وفي آبائه أين هم، وكما رحلوا فهو راحل، إذ كل نفس ذائقة الموت، فهل النهاية هي بالموت أم مجرد مرحلة لحياة أخرى؟ هنا الحقيقة المؤلمة لكثيرين حين لا يحسبون لما بعد الموت أي حساب، بأن هناك بعثا وحسابا وجنة ونارا. هناك من يزيّن الحياة الدنيا للجميع، على اختلاف مستوياتهم ومسؤولياتهم، ومرة أخرى نتذكر عمر الفاروق حين اقترب أجله وتذكر الموقف، ووضع رأسه على التراب قائلا: ويح عمر، يا ليت أم عمر لم تلد عمرا، وحين طلبوا منه أن يؤمّر عليهم ابنه عبد الله قال: يكفي من آل الخطاب واحدا في النار، يعني نفسه، رضي الله عنه.
صديقك من صَدَقك لا من صَدَّقك، وهذا منهج للجميع صغارا وكبارا، حكاما ومحكومين، آباء وأبناء وأزواجا وموظفين، وحين يزيَّن هذا بالأدب الرفيع وأصول النصح يكون المجتمع في أعلى درجات المسؤولية والانضباط والارتقاء.