Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Dec-2018

فرنسا 1968-2018* عريب الرنتاوي
الدستور -
فرنسا أول الثورات، من الثورة الفرنسية إلى «كومونة باريس» مروراً بانتفاضة 1968 الطلابية – النقابية، وانتهاء بثورة «السترات الصفراء»... ومع أن هذه الأحداث ليست فرنسية معزولةً، بل أوروبية بامتياز، إلا أن باريس في كل مرة، كانت تقدح شرارة الثورة والانتفاضة، لتأتي من بعدها التفاعلات والتداعيات.
ليس ثمة من وجه للمقارنة بين ثورتي طلاب 1968 وسترات 2018 الصفراء، فالأولى، كانت طلابية – شبابية بامتياز، التحقت بها النقابات اليسارية، وانخرط في صفوفها اشتراكيون وشيوعيون ويساريون، ولعب المثقفون والمفكرون الكبار من أوزان جان بول سارتر وسيمون دو بفوار وميشيل فوكو أدواراً عملية بارزة، وصلت حد توزيع البيانات والمنشورات على ملايين المتظاهرين.
هذه المرة، ليس للاحتجاجات أبٌ أو أم، ظلت أعداد المنخرطين فيها متواضعة على كبرها، لم تنخرط فيها القوى الحزبية والنقابية المنظمة، ولم تعرف لها قيادات ميدانية بارزة، حنى أن فكرة التفاوض مع المحتجين، كانت تصطدم بسؤال: من يمثلهم ... لم تكن السوشيال ميديا ولا ثورة الاتصالات قد اندلعت قبل خمسين عاماً، اليوم تحرك أبطال السوشيال ميديا، وقادوا حراكاً أثمر إرغام الحكومة على التراجع عن قراراتها... مع أن الأبواب لم تغلق بعد، أمام احتمالات توسعها وانتشارها، بل وانتقالها إلى دول أخرى: هولندا وبلجيكا ابتداءً.
قبل خمسين عاماً، كان العالم منقسماً إلى معسكرين، وكانت حركات التحرر الوطني في ذروة تألقها، من الجزائر إلى فلسطين، مروراً بأفريقيا وأمريكيا و»استيقاظ آسيا» ... وكانت الحرب الفيتنامية التي هزمت فيها فرنسا قبل أن تهزم الولايات المتحدة، حاضرة في ذهن الشباب الفرنسي ... كانت ثورة السود في أمريكا في أوجها (اغتيال مارتن لوثر كونغ)، وكذا الحركات النسوية في العالم، وبدأت رياح الحرية تهب على المعسكر الشرقي (ربيع براغ) ... كل هذا لم يعد موجوداً اليوم، وإن كانت هناك ظروف أخرى، تدفع على الثورة والانتفاض، وأهمها غلبة اليمين وتفشي التطرف الشعبوية وتنامي مظاهر العداء للأجانب والمهاجرين ... ولذلك، لم يكن مستغرباً، أن تبدأ ثورة 1968 بالشعار السياسي قبل أن يلتحق بها الشعار الاقتصادي، وأن تنطلق من حيث لم يحتسب الماركسيون: من الجامعة وليس من المصنع ... اليوم، ظلت الاحتجاجات محصورة في بعدها المطلبي الاقتصادي، ولا ندري إن كانت ستتوقف عند هذا الحد، أم أن للقصة بقية.
ثورة 1968، أُجهضت، وعاد اليمين الديغولي للحكم أقوى مما كان عليه قبلها، رغم أن شارل ديغول هرب لأسابيع ثلاثة إلى ألمانيا، وترك البلاد لرئيس حكومته جورج بومبيدو ... وتلكم قصة، قيل بشأنها وكتب عنها الكثير، في تفسير مفارقة «انتصار الثورة وهزيمتها» في الوقت عينه ... اليوم، لا ندري إن كانت ثورة 2018، ستتوقف عند تجميد الزيادات على الضرائب، وما إذا كان اليمين سينجح مرة أخرى، في اختطاف الاحتجاج بشعاراته ومطالبه.
لكن ثورة 1968 ألهمت شباناً كثر في مختلف دول العالم على الثورة والانتفاض في وجه الاستبداد والفساد والتخلف ... ووجدت شعاراتها اليسارية في الغالب، من يعيد انتاجها أو رفعها في شوارع وجامعات عديدة ... ولا أدري ما الذي سيترتب على ثورة 2018، إن جاز لنا أن نسميها كذلك، من نتائج وتداعيات، أم أنها ستمضي في غياهب النسيان، بعد أن تلتقط حكومة ماكرون أنفاسها.