Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-Dec-2020

عن الروي والسوق والأخبار!

 الدستور-ماجد شاهين

 
الآن، في الشوارعِ وزوايا الأسواقِ وعند مقاه قليلة بقيتْ، يكثرُ باعةُ الأعشاب والفجل، ويقل الرواةُ وصانعو النكتة الشعبيّة والمتأمّلون!
 
في زمن انقضى، كانت تلك الأماكن «مسارح أو أرصفة» يجتمع عندها الناس من زائري السوق ومن الباحثين عن فرصة للبهجة ومن حتى الهاربين من «نكد» قد يكون وقع بسبب من «صحن طبيخ» دُلِق بعدما تعثر به ولد عن غير قصد!
 
كانت تلك المساحات والدكاكين، مطارح روي ومحطّات لتناقل الأخبار وتشكيلها بروحها الشعبيّة و»تحريرها» بلا عناء الألفاظ والعناوين وبما يكفل تصديقها وقبولَها وكانت تجذب أكبر عدد من المنتبهين!
 
زمان كانوا يؤمنون أن الخبر تعلو قيمته وشأنه بما يحمله من معلومة عميقة وبعدد رواته وعدد الذين شهدوا على وقوعه!
 
في السوق هناك، كان كلّ متلق للخبر يُعد مشروعَ راو جديدا.
 
بائعُ البقدونس يروي طرف الحكاية فيكمل سطرها الثاني عابر طريق، ثم يضع فاصلة بين جملتين أحد الذاهبين إلى لعبة ورق ثمّ يدلف إلى مقهى مجاور!
 
ذاك البائع، كان بحنكته وبدهاء لازم، يهمسُ في أذن نادل المقهى بأوّل الخيط، ويطلب مع «الهمس» كأس شاي أو شيئا من البن.
 
النادلُ يوزّع المفاتيح مع الكاسات والفناجين، داخل المقهى وخارجة، مفاتيح الخبر وعناوينه الكبيرة وعناوينه الفرعيّة وجملته الأولى.
 
وما أن يحلّ منتصف النهار، حتى تكون حكاية الخبر كلّها تشكلت بما يلزم من أدوات.
 
الباعة كانوا رواة وصانعي أخبار، والمتسوّقون كانوا كذلك، وكانت صورُ الخبر أو القصة: عربات السوق وكراسي مقاهيه وصناديق الخضار التي في الأرصفة واللحوم المعلّقة عند القصّابين وأكياس الحبوب والعدس التي كانت في محال البقوليّات والدكاكين الصغيرة والكبيرة، وكانت كذلك «مطربانات» الملبّس وعلب السردين وأباريق الوضوء المعلّقة كلها صورا للحكاية وللخبر!
 
لم يكن أحد يشتغل كثيرا على «التزويق» أو على استخدام عناصر الإدهاش والزوائد.. لقد كانت الأخبار ناصعة صادقة بحضورها الحقيقيّ في الشارع.
 
الناس كانوا يجلبون الأخبار والروايات إلى السوق والشارع.
 
الآن يحاول الرواة وناقلو الأخبار، البحث عن «حكايات من السوق» لحشرها في رفوف المكتبات ودفاتر البيوت وورق يخلو من الروح أو في زوايا الصحف!
 
باختصار عميق، كنّا نتناول الحكايات مع «كيلو الفجل ورطل البندورة وأرغفة الخبز وأوقيّة اللحمة والبطيخة وصحن الحمّص وأقراص الفلافل وشعر البنات»، فمنّا من كان يحملها إلى داره ويضفر منها ما ينفع للحياة،ومنّا كثيرون كانوا يلوكونها في الشارع قبل العبور إلى البيوت، فتطير الحكاية بلا نفع!
 
عن الرواة والباعة، كلام كثير، لم يقله أحد بعد.